رغم معاناة طويلة مع المضايقات الأمنية والملاحقات القضائية، أعلن المخرج والموسيقار الإيراني مهدي رجبيان إنجاز ألبومه الغنائي الجديد، بعد 9 أشهر من الاختفاء أمضاها داخل قبو سري في بلدة ساري شمالي البلاد، تواصل خلالها خلسة مع عشرات الموسيقيين عبر العالم.
وتمكن رجبيان، رغم الصعوبات التقنية والنفسية والأمنية، من نشر ألبومه الجديد، حيث كانت السلطات الإيرانية قد حظرت عليه إنتاج الموسيقى أو أي فن آخر، وعاقبته قبل ذلك بالسجن الانفرادي لأعوام عدة، تعرض خلالها لعقوبات جسدية أحدثت له تشوهات دائمة، بحيث صار معها غير قادر على العزف على الكثير من الآلات التي كان يتقنها.
وتعرض رجبيان لأنواع مختلفة من المضايقات من جانب السلطات الإيرانية منذ عام 2013، حينما كان يبلغ من العمر 24 عاما، بسبب إشراكه للنساء في الأفلام السينمائية التي كان يخرجها والأغاني الجماعية التي يلحنها وينتجها، إلى جانب المضامين السياسية والثقافية المعارضة للحكومة، بالذات فيما يخص انتهاك حقوق الإنسان وحرية التعبير في إيران.
وكانت تصريحات رجبيان قد لاقت صدى واسعا لدى الأوساط الثقافية والفنية والشبابية داخل إيران منذ ذلك الوقت، بل وفي العالم أيضا، فقد أعلن أن طهران تستخدم السجن الانفرادي بحق السجناء المناهضين لها فنيا وثقافيا، لأنها تسعى لـ"محق أرواحهم وقتل القيم الفنية داخلهم".
وبعد أن خضع لمحاكمة شكلية خلال عام 2015، وحكم عليه بالسجن عدة أعوام في زنزانة انفرادية بسجن إيفلين سيئ السمعة، أعلن رجبيان إضرابا مفتوحا عن الطعام، فقررت السلطات مساومته وطلبت منه التعهد بالتوقف عن إنتاج الموسيقى والأفلام التعبيرية شريطة إطلاق سراحه، لكنه لم يوافق قط.
خسر رجبيان نصف وزنه وبصره، وبعد ضغوط من فنانين ومثقفين عالميين أثناء المفاوضات النووية الإيرانية مع المجموعة الدولية، أطلقت طهران سراحه لكنها وضعته ضمن قوائم المراقبة المشددة.
والعام الماضي، عادت السلطات إلى ملاحقته حيث أقامت دعوة قضائية ضده مما دفعه إلى التواري عن الأنظار، إلى أن قضت محكمة غيابيا بسجنه لمدة 3 سنوات أواخر عام 2020، فاختفى رجبيان عن الأنظار حتى أعلن إصدار ألبومه الأخير، حيث قضى 9 أشهر في قبو مجهول وبإجراءات احترازية مقعدة.
وتلقى ألبومات وأفلام رجبيان رواجا كبيرا ضمن أوساط الشباب والطبقة الوسطى الإيرانية، لما تحمله من مضامين ثقافية وروحية تعبر عن حالة القمع الوجداني والحياتي التي يعانيها الإيرانيون بشكل يومي.
هفند هيبة الله شاب مقيم في طهران ومن أشد المتابعين والمعجبين برجبيان، يشرح في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" مشاعره تجاه إعلان رجبيان عن ألبومه الأخير، قائلا: "بالنسبة لنا كل ما ينتجه تعبير عما نحس به ولا نستطيع التعبير عنه. منتجاته تمس كل تفصيل من معاناتنا".
وأبدى هيبة الله إعجابه بـ"تحدي رجبيان للسلطات الإيرانية"، وفي "استعارته لما يشعر به كل يافع وشاب إيراني ولا يجد منفذا للتعبير عن مشاعره. هذا مصدر قلق الحكومة منه".
وبعد طرح رجبيان لألبومه، تجد إيران نفسها في حرج شديد، من جهة لأنها فشلت في إلقاء القبض عليه قبل نشر الألبوم الجديد، ومن جهة أخرى لأنها تتوقع حملة تضامن عالمية معه مثلما حدث العام الماضي، حينما أصدر وشارك أكثر من 20 ألف فنان في بيانات داعمة له، مما سبب إحراجا للمسؤولين الإيرانيين في كافة المحافل الدولية.
الناشط والحقوقي الإيراني ميراج ألفتي، تحدث مع موقع "سكاي نيوز عربية" عن مصدر الحساسية الخاصة التي يسببها رجبيان للحكومة الإيرانية.
وقال ألفتي إن الفنان المتمرد "يجمع كل الخصائص التي يمكن أن تمس العصب الحساسة للسلطات الإيرانية، فهو شخص ذو شهرة بالغة بالنسبة للطبقات الشابة رغم عمره الصغير، كذلك يملك نزعة للتحدي وعدم الخضوع تؤثر في معارضي النظام وتشحذ هممهم، فوق ذلك فإنه ذو صلات وجدانية ومؤسساتية عالمية، يقول في مضمونها إن إيران وشعبها جزء من العالم وإبداعه، وليست جزءا من نشر الكراهية والعنف".