منذ أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إعادة إطلاق مشروع فيلم الأمير عبد القادر، انطلق الجميع في رحلة البحث عن الممثل المناسب والمخرج الذي تتوفر به جميع المعايير لإنجاز العمل التاريخي، الذي طال انتظاره.

وهذه المرة، يبدو أن الجزائر لا تريد تكرار أخطاء الماضي، عندما أطلقت عام 2013 مشروعا مماثلا انتهى بفصيحة مالية وأخرى سياسية، دفعت حينها بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لاتخاذ قرار إقالة وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي عام 2014.

وقد أسال قرار تبون لعاب الكثير من الممثلين، خاصة الذين لم يحظوا من قبل بفرصة أداء أدوار بطولية في الأعمال الجزائرية سواء التلفزيونية أو السينمائية.

مستقبل السينما بعد 20 عاما

فيلم تجاري كبير

وحسب المعلومات الخاصة التي توفرت لموقع "سكاي نيوز عربية"، فإن الجزائر تريد التوجه نحو إنجاز فيلم تجاري كبير، مع توقيع اتفاقيات تعاون من القنوات الفضائية، كما ستستبعد وزارة الثقافة لتفادي تكرار سيناريو 2013، الذي انتهى بتوقف مشروع فيلم الأمير عبد القادر، وسيكون التوجه هذه المرة نحو تكليف شركة خاصة تتكفل بالعملية وبإشراف مباشر من رئاسة الجمهورية.

وبالفعل تم تكليف مستشار الرئيس الخاص بشؤون السينما والسمعي البصري المخرج أحمد راشدي بإدارة المشروع، وذلك بعدما تعهد الأخير بعدم إخراج الفيلم والاكتفاء بعملية الإشراف العام، بداية من البحث عن المخرج الأنسب وشركات الإنتاج العالمية التي تقبل دخول عملية إنتاج الفيلم وفق شروط تجارية محضة.

مطالبات بإعادة تفعيل عقوبة الإعدام في الجزائر

ورغم أن فكرة المشروع لا تزال في مرحلة المهد، فإن اللافت للانتباه تحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى حلبة لاستعراض بعض الممثلين لعضلاتهم في التمثيل، حيث نشر عدد منهم صورا لهم في جلسات تصوير خاصة وهم يرتدون زي الأمير، وقد حرصوا على إطلاق اللحية للظهور في هيئة تشبه صوره.

لكن السؤال الذي طرح نفسه بقوة، هل يكفي الشكل واللحية كي يستحق الممثل أداء دور الأمير عبد القادر؟ وما الشروط التي تريدها الجزائر من الممثلين؟ وأي شكل سينمائي تريده البلاد للفيلم؟

يرى المنتج الجزائري خليل براهيمي أن الحل يكمن في إجراء "كاستينغ" كبير في الجزائر من أجل البحث عن وجوه جديدة.

وقال براهيمي لموقع "سكاي نيوز عربية": "حتى الآن لا يوجد ممثل في الجزائر يحقق الإجماع لأداء هذا الدور، والحل هو البحث عن الوجه الجديدة. ربما نكتشف اسما خارج الحسابات. رغم أن الفرصة تبدو قليلة جدا فإن الرأي العام الجزائري يميل لاختيار ممثل محلي وليس أجنبيا".

غير أن الناقد السينمائي الجزائري جمال حازولي يرى عكس ذلك، ومن وجهة نظره من الضروري أن تفرق الجزائر بين العمل التلفزيوني والسينمائي.

أخبار ذات صلة

فرنسا تكرم وردة وتحتفي بالسينما الجزائرية
الثلوج تكسو ولاية جزائرية في عز الصيف.. نكتة أم حقيقة؟

وبالنسبة له، الحالة الأولى أي العمل التلفزيوني، تستدعي التفكير فيما يريده الجمهور المحلي، لكن يبدو أن الجزائر تريد التفكير في عمل سينمائي كبير لإعطاء الأمير عبد القادر بعدا عالميا، وهذا ما يتطلب البحث عن ممثل عالمي من الوزن الثقيل.

وقال حازولي لموقع "سكاي نيوز عربية": "لا يمكن للعمل إن ينجح إذا كان الممثل غير معروف، والأكيد أن الجزائر تريد أن تعرّف العالم بشخصية الأمير من خلال هذا الفيلم، وهي لا تريد إنتاج فيلم محلي لجمهور محلي".

ووفق هذا الطرح لا يرى حازولي ضرورة من خلال إنتاج فيلم محلي وبممثل غير معروف، وأضاف: "نحن في الجزائر نعرف من هو الأمير وقد تم تدريس تاريخه للأجيال في المدارس، ومن المهم أن يعرفه العالم وهذا يتطلب ممثلا من الوزن الثقيل بحجم أنطونيو بانديراس وأل باتشينو وليوناردو دي كابريو، هذا إذا كانت الجزائر فعلا تود إنجاز فيلما تجاريا كبيرا".

نجوم محليون وعرب وعالميون

وحتى الآن فإن جميع المؤشرات تؤكد أن تحدي الجزائر في رحلة البحث عن الممثل لا يزال رهن الشكل والملامح، وهذا ما نلاحظه من خلال الترشيحات المطروحة على طاولة النقاش.

غير أن القرار النهائي يبدو أنه سيأخذ وقتا طويلا، فقبل ذلك هناك منعرج البحث عن المخرج المناسب للعمل والسيناريو الأنسب، كما يؤكد مدير مركز "سينماتك" في الجزائر الناقد سليم عقار، الذي أشار إلى أن "الخطوة الأصعب هي إيجاد السيناريو المناسب لشخصية الأمير".

وقال عقار لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن وزارة الثقافة اتصلت بعدد كبير من الممثلين لتجسيد دور الأمير في مشروع عام 2013 الذي توقف.

ومن بين الممثلين الذين تم ترشيحهم لأداء الدور وقتها، محمد طاهر الزاوي ويوسف السحيري، وحتى ظاهر رحيم وخالد النبوي والراحل أنطونيو كوين.

تاريخيا تقدم عدد كبير من المخرجين الجزائريين بطلب تصوير فيلم الأمير عبد القادر، على غرار أحمد راشدي، والمتوج بالسعفة الذهبية لخضر حامينا، وحتى المخرج الراحل مصطفى العقاد وأوليفر ستون، وكوستا غافراس، ورشيد بوشارب، وغيرهم، لكن الرياح كانت تجري بما لا تشتهي السفن.

نجوم الكرة يطلقون حملة لمواجهة فيروس كورونا في الجزائر

وتعود فكرة إنتاج فيلم عن الأمير عبد القادر إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما كانت السينما الجزائرية في عز مجدها، ومنذ ذلك الوقت طرحت 3 نصوص عن حياة الأمير للسينما.

كُتب السيناريو الأول عام 1977 من قبل سيرج ميشيل، كما كتب وزير الثقافة الأسبق بوعلام بلسايح سيناريو عن الأمير وذلك بعدما نجاح فيلمه عن بوعمامة، وعام 2013 قدم المنتج الفرنسي فيليب دياز سيناريو ثالثا.

ووقف في طابور المرشحين لتجسيد الأمير عبد القادر أكثر من 500 ممثل من مختلف الجنسيات، منهم المصري عمرو واكد الذي تم الاتفاق معه عام 2013 لتجسيد شخصية القائد أحمد بن سالم في النسخة التي كان سيخرجها المخرج الأميركي شارل برانت، حيث استقرت وزارة الثقافة على اختيار الممثل الفلسطيني صلاح بكري لأداء دور الأمير وسط تكتم كبير في بداية الأمر، قبل أن يتوقف المشروع نهائيا.

أخبار ذات صلة

مخرج برازيلي يستعرض سحر الجزائر في "مهرجان كان"
مبادرة في الجزائر.. "أنا مغترب ولا أنسى يتامى بلادي"

مهمة صعبة

وأكد الناقد أحمد بجاوي أن الجزائر "أمام مهمة تبدو مستحيلة لصناعة فيلم عالمي، فلا مغزى من تصوير فيلم محلي عن شخصية عالمية".

وقال بجاوي في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "شخصية الأمير عبد القادر تفتح شهية كل رواد السينما العالمية وليس فقط الجزائرية، حيث يطمح كل ممثل ومخرج من أصل جزائري في تصوير الفيلم والمشاركة فيه".

وتابع: "هناك منافسة قوية بين المخرجين، رشيد بوشارب مثلا كانت له الرغبة في إنجاز هذا الفيلم. كان يحمل رؤية عالمية من خلال جلب نجوم كبار للمشاركة، واقترح النجم الفرنسي من أصل جزائري طاهر رحيم لأداء دور الأمير".

وبعيدا عن جدوى إنتاج الفيلم، يسلط الروائي الجزائري واسيني الأعرج الضوء على أكثر الزوايا جدلا حول مشروع الأمير، التي تتوقف عندها كل حسابات "الكاستينغ"، وهي النقطة التي تتعلق بالرسائل التي سيحملها الفيلم.

وقال الأعرج، الذي يعد واحدا من أبرز من كتبوا عن شخصية الأمير عبد القادر وصاحب راوية "كتاب الأمير" عام 2005: "أي أمير نريد؟ أمير كما ترسمه المدرسة بعد أن قصت أجنحته وحولته إلى محارب خارق بحصانه الذي لا يكل ولا يتعب؟ أمير إسلامي يخوض حربا ضروسا ضد المستعمر النصراني؟ أم أمير ببعد إنساني أعمق، مدافعا عن بعده الحضاري المتنور ومنفتحا على ثورة صناعية كانت قد غزت العالم ودخل غمارها، لكن الظرفية لم تسعفه للذهاب بعيدا في تصنيع أسلحته الدفاعية (أنقذ الأمير حياة أكثر من 15 ألف مسيحي في 1860، معطيا بذلك درسا في التسامح الديني)؟".