ما بين مروحية تُحلق مسرعة أعلى بناية في كابل، وطائرات شحن عسكرية، تعلق بها مواطنون أفغان، طلبا للنجاة من جحيم طالبان، كُتبت نهاية حرب ظلت نيرانها مستعرة طوال 20 عاما.
وكان المشهد الأخير من الحرب الأميركية بأفغانستان تراجيديا بما يكفي ليعيد للأذهان وقائع مأساوية شبيهة، مثل التي وقعت عند إجلاء القوات الأميركية بحرب فيتنام، وهو الحدث الذي جسدته المخرجة روري كينيدي عام 2014 في فيلمها الوثائقي "الأيام الأخيرة في فيتنام".
لذا تبقى تجربة 20 عاما من الحرب الأميركية في أفغانستان مادة خصبة لصناعة السينما، صُنع منها عشرات الأعمال، وينتظر منها المزيد، وهنا تبزغ التساؤلات؛ كيف نسجت هوليوود سرديتها عن الحرب؟ وما المتوقع منها في المستقبل؟
الحرب الباردة
المخرجة المصرية، نيفين شلبي، ترى ضرورة وضع صناعة الأفلام الأميركية عن أفغانستان في سياقها التاريخي والسياسي، إذ تحيلنا إلى بداية مواجهة السوفييت في نهاية سبعينيات القرن الماضي، عندما دعمت الحكومة الأميركية الجماعات المسلحة في مواجهة روسيا.
وتقول شلبي لموقع سكاي نيوز عربية إن بداية التدخل الأميركي في أفغانستان لم يكن نبيلا على الإطلاق، بل كانت هناك أجندة واضحة لخدمة المصالح الأميركية، وتُرجمت هذه الأجندة في السينما الأميركية، التي انحازت إلى المعارضة الأفغانية - آنذاك - في مواجهة الحكومة الرسمية والقوات السوفيتية.
ومن بين الأفلام الأميركية التي جسدت مرحلة الحرب الباردة فيلمان، الأول هو الجزء الثالث من فيلم رامبو، إنتاج 1988 من بطولة سلفستر ستالون وإخراج بيتر ماكدونالد، وتدور أحداثه خلال الحرب الأفغانية السوفياتية التي استمرت 9 أعوام ما بين 1979 و1989.
يجسد الجزء الثالث من "رامبو" البطولة الملحمية؛ حيث سافر الجندي الأميركي الشجاع في مهمة إلى أفغانستان لإنقاذ زميله سام تروتمان من أيدي السوفييت، ولم تتوقف مساعدة البطل المغوار عند ذلك، بل مد يد العون للمحاربين الأفغان الذين صورتهم قصة الفيلم في دور بطولي أيضا.
فيلم آخر تصدى لتجسيد كواليس الحرب الباردة، وهو "حرب تشارلي ويلسون"، إنتاج 2007، مأخوذ عن كتاب "حرب شارلي ويلسون: القصة الاستثنائية لأكبر عمل تغطية في التاريخ"، الذي ألّفه جورج كريل، ويحكي القصة الحقيقية للسناتور الأميركي تشارلي ويلسون.
وتتناول سردية الفيلم الدور المحوري الذي لعبه السيناتور تشارلي ويلسون في تزويد المقاومة الأفغانية بالسلاح، وعلى الأخص تقديم صواريخ "ستينغر" المحمولة التي استطاعت اصطياد طائرات الهليكوبتر السوفيتية، وكان لها دور حاسم في هزيمة الاتحاد السوفيتي.
ما بعد 11 سبتمبر
في مرحلة أخرى تختلف عمّا حدث إبان الحرب الباردة، تعود أميركا إلى أفغانستان لتستهدف المقاتلين الأفغان، التي كانت تدعمهم ذات يوم، وعلى ذات الخط تمضي السينما الأميركية في كثير من أعمالها، التي صورت البطولة الأميركية الخارقة.
ويأتي فيلم الرجل الحديدي "آيرون مان"، أول أفلام عالم مارفل السينمائي، على قمة الأفلام التي مجدت الدور البطولي للمقاتل الأميركي في أفغانستان، عندما سافر الثري الأميركي وصاحب مصانع السلاح توني ستارك إلى أفغانستان لتقديم أسلحة جديدة للجيش الأميركي.
وأُختطف ستارك من قبل جماعة مسلحة أفغانية، واحتجزته حتى يصنع لها سلاحا فتاكا يساعدهم في مواجهة الجيش الأميركي، وهو الأمر الذي يشرع في تنفيذه، ويصنع السلاح الفتاك، الذي يهزم به في النهاية المسلحين الأفغان، ليظهر في دور المنقذ الذي أراح العالم من شرور هؤلاء المتوحشين.
فيلم آخر اهتم بتسليط الضوء على الحياة القاسية التي كان يعيشها الأفغان تحت حكم طالبان، وهو فيلم "عداء الطائرة الورقية"، المأخوذ عن رواية تحمل ذات الاسم للكاتب الأميركي من أصل أفغاني، خالد الحسيني.
ويحكي الفيلم قصة اجتماعية بالأساس تعود إلى الجذور الطبقية الأفغانية، والتمايز العرقي بين الهزارة والبشتون، في الفترة من قبل الحرب السوفيتية، وصولا إلى حكم طالبان حيث كان مسرح الأحداث الرئيسي.
ورغم أن "عداء الطائرة الورقية" يتناول قصة إنسانية عن أمير الذي انفصل عن صديق طفولته بالهجرة، إلا أنه في ذات الوقت يتناول جوانب مأساوية من حياة الأفغان، مثل العنف الذي كان النساء يتعرضن له، وتجلى ذلك في مشهد رجم امرأة داخل ملعب كرة قدم.
أعمال على يسار الحرب
لم تستمر هذه السردية النمطية طويلا، إذ تقول المخرجة نيفين شلبي إن السينما الأميركية تتمتع بقدر من الحرية، يسمح لها بالخروج عن الرواية الرسمية التي تتبناها الأجندة الأميركية.
وتضيف شلبي أن الوثائقيات الأميركية كانت على يسار سردية الحرب الرسمية، مشيرة في هذا السياق إلى الفيلم الوثائقي "فهرنهايت 9/11"، للمخرج مايكل مور، إنتاج 2004، وانتقد فيه مور طريقة تعامل إدارة الرئيس الأميركي بوش الابن مع أحداث سبتمبر.
وأشار فيلم "فهرنهايت 9/11"، إلى عديد من القضايا، كان أهما: الحرب على الإرهاب وطريقة تغطية وسائل الإعلام الإخبارية الأمريكية لتلك المواضيع، التعذيب، التمثيل بالجثث، عمليات اختطاف الأجانب.
وتشير هنا المخرجة المصرية نيفين شلبي إلى أن منصات التواصل الاجتماعي أصبح لها تأثير يضاهي ما كان للسينما من تأثير عندما كانت تنفرد بتشكيل الرأي العام قبل 20 عاما من بداية الحرب الأميركية على أفغانستان، "الآن يمكننا رؤية مشاهد مباشرة كان يمكن حجبها فيما قبل"، مؤكدة أن "منصّات التواصل الاجتماعي استطاعت فضح الأجندة الأميركية".
نبوءة "البؤرة الاستيطانية"
تعتبر معركة كامديش واحدة من المعارك الهامة في الحرب الأفغانية، أسفرت عن مقتل 8 أمريكيين وإصابة 27 آخرين بينما تكبدت حركة طالبان مقتل نحو 150 شخصا، وجسد فيلم "البؤرة الاستيطانية" هذه المعركة بواقعية شديدة.
وجسد الفيلم الدور البطولي لمجموعة صغيرة من الجيش الأميركي (53 جنديا وضابطا)، عندما قاتلوا مئات من عناصر طالبان في معركة كامديش، لكن النبوءة التي حملها الفيلم هو فرار القوات الأفغانية الحكومية، ما يعكس الصورة التي وصلت إليها الأمور مع الانسحاب الأميركي من أفغانستان.
ويواصل الفيلم (إنتاج يوليو 2020) سرديته عن المعركة، التي اضطرت فيها القوات الأميركية إلى الانسحاب من قاعدة كيتنغ الحربية الأميركية، وبدأت عناصر طالبان بالاستيلاء على مخازن الذخيرة، ما دفع الطائرات الأميركية إلى قصف القاعدة حتى لا تنتفع بها طالبان.
وعلى غرار فيلم "البؤرة الاستيطانية" تعود المخرجة المصرية، نيفين شلبي لتشير إلى أن هوليوود قادرة على تحويل المشاهدة الأخيرة من الانسحاب إلى تراجيديا تثير مشاعر الجمهور، عندما تستدعي الأبطال المحببين لدى الجمهور، وتعزف على أوتار التضحية والنبل التي أجادت صنعها لسنوات.
وترجع شلبي هذه القدرة إلى التفوق الكبير على كل المستويات الذي تحظى به صناعة السينما في الولايات المتحدة.