بينما تشهد الولايات المُتحدة واحدة من موجات مواجهة العنصرية، بعد صعود خطاب وقوى اليمين في البلاد، فإنها احتفلت البارحة بـ"اليوم العالمي للشعوب الأصلية في العالم"، التزاماً بقرار الأمم المتحدة رقم 49/214، الذي صدر خلال العام 1994، واعتبر يوم الـ9 من شهر أغسطس من كل عام مناسبة لتذكر السكان الأصليين والدفع نحو تعزيز الوعي وحماية حقوقهم.
وتعاني الولايات المُتحدة من صراع سياسي وثقافي بشأن هذه المناسبة، إذ يعتبر الكثير من الأميركيون، بالذات من ذوي الأصول الإيطالية، أنه يتعارض مع مناسبة "يوم كولومبوس" الذي يصادف الـ12 من شهر أكتوبر من كُل عام، ويُعد مناسبة وعطلة وطنية للاحتفال بوصول المستكشف الإيطالي/الإسباني "كريستوفر كولومبوس" إلى البر الأميركي، وما تلاه من موجة المهاجرين الأوربيين الجدد، المتهمين بممارسة الإبادة بحق السُكان الأميركيين الأصليين. حيث يدعي هؤلاء إن هذه المناسبة هي بمثابة "تنديد" بتلك المناسبة الوطنية.
كانت ولاية ساوث داكوتا الأميركية هي الأولى التي تعترف وتحتفل بهذه المناسبة، منذ العام 1989، لكنه انتشر في السنوات الأخيرة، بسبب تصاعد حملات التضامن مع شعوب أميركا الأصلية، بالذات فيما خص "المصالحة" معهم بشأن تاريخ أميركا الحديث وما طالهم أثناء الحروب بينهم وبين "المستكشفين".
تعترف الولايات المتحدة الأميركية بـ 574 قبيلة من الشعوب الأميركية الأصيلة، يشكلون أكثر من 300 دويلة قبلية، تتمتع كل واحدة منها ببعض أشكال السيادة الداخلية على مناطقهم.
لا توجد طريقة واحدة للاحتفال بيوم الشعوب الأصلية، لكن منظمات مثل المنظمة الأميركية للشعوب الأصلية والمجلس الأميركي للسكان، يدفعون لإقامة جميع الاحتفاليات والشعائر التي تحفز نحو خلق المزيد من المعرفة بالأميركيين الأصليين، واقعهم وثقافتهم وحقوقيهم، ومكافحة المفاهيم التاريخية الخاطئة حولهم.
العديد من الكتابات والاحتفاليات التي عُقدت في مُختلف الولايات الأميركية بهذه المناسبة، شددت على أن أشكال العنصرية والتمييز التي ما تزال منتشرة في الأوساط الشعبية والسياسية الأميركية، أنما مصدره عدم الاعتراف بالمآسي التي لحق السكان الأصليين منذ أواسط القرن الخامس عشر، حينما استولى المستكشفون والمستوطنون على أراضيهم واستخدموا الأسلحة الحديثة في مواجهتهم، غير تحطيمهم سياسياً وثقافياً.
تُعتبر ولايات الساحل الغربي الأميركية الأكثر اهتماماً بهذه المناسبة، بالذات ولايتي كاليفورنيا وتينيسي، إلى جانب لويزيانا وويسكونسن وأوريجون، اللتان تدفعان مختلف مدارس ومؤسسات التعليم في الولاية للتركيز وشرح وقائع مراحل استعمار المستوطنين الجُدد للسكان الأصليين، بالذات من خلال ممارسة الاستبعاد عن الأراضي والإبادة الجسدية للملايين منهم.
في باقي الولايات الأميركية، حدت جائحة كورونا من الاحتفالات السنوية. حيث في نيويورك، غالباً ما تكون جزيرة راندال موقعاً للاحتفالات بيوم الشعوب الأصلية هذه. حيث تُعقد تجمعات جماهيرية حول حفلات الموسيقى ورواية القصص والرقص وتقديم الأطعمة التي ما تزال تطبخها تلك الشعوب. حيث من المقرر أن ينظم هذا الحدث هذا العام لمدة يومين، في الفترة 10-11 من هذا الشهر.
يدور جدال كبير داخل الولايات المُتحدة بشأن مساحات الأراضي الشاسعة التي تُعد حسب القوانين الأميركية مملوكة لمئات القبائل من الشعوب الأصلية، والتي يطالب الكثير من الأميركيين بإعادة ملكيتها إلى الدولة. في وقت ترفض فيه تلك القبائل ذلك الأمر، مشيرة إلى أن العكس هو الصحيح، حيث أن جميع الأراضي الأميركية كانت مملوكة لهذه القبائل، وتم الاستيلاء عليها من قِبل المستوطنين والمهاجرين الجُدد، وبالقوة.
كذلك تطالب الكثير من الأوساط السياسية والاقتصادية الأميركية باستثمار الثروات الباطنية والطبيعية والنباتية في المحميات المملوكة لتلك القبائل، فيما ترد تلك القبائل بالقول إن سياسات التعدين وتخصيب اليورانيوم في المناطق الجنوبية الغربية من البلاد أدت لزياد الأمراض، بالذات السرطانات، في أوساط قبيلتي نافاجو وبويبلو.
الكاتب الأميركي/المصري أمين نقشبندي، شرح في حديث مع سكاي نيوز عربية المخاوف الراهنة للسكان الأصليين في الولايات المتحدة الأميركية "في وقت يتصاعد فيه اليمين الجمهوري، رافعاً شعار (مظلومية الأميركي الأبيض)، مع زيادة وتيرة معاداة المهاجرين والسود واللاتين في مختلف المناطق والمؤسسات، فإن السكان الأصليين يتخوفون من تشريع قوانين ومراسيم تصادر الحقوق الخاصة والمميزة للسكان الأصليين، بدعوى المساواة في المواطنة.
وتالياً خنق خصوصياً السكان الأصليين وثقافتهم وعاداتهم المختلفة عما لباقي الأميركيين، مثلما حدث على موجات خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر".