ألقت الحرب بظلالها السلبية على الحياة الاجتماعية للسوريين عموما، وعلى الزواج بشكل خاص، وغيرت من عاداتهم القديمة التي توارثوها عن أجدادهم، واستبدلتها بأخرى جديدة غُيّبت عنها مظاهر الفرح.
فجميل وسناء ثنائي يتحضر للزواج الأسبوع المقبل، بعد أن تأجل زفافهما للمرة الثالثة منذ بداية العام الجاري بسبب الارتفاع المفاجئ لسعر صرف الدولار وانهيار العملة السورية، التي تدنت لسقف الـ5 آلاف ليرة مقابل الدولار الواحد قبل 3 أشهر.
وبحسب رواية العروسين، فقد صرفا النظر عن شراء الذهب، وهو أحد الطقوس الأساسية للزواج في سوريا، واستبدلا هذه العادة بخاتم خطبة "فالصو"، المعروف باسم الذهب الإيطالي أو الروسي.
وتقول سناء إنها اكتفت بشراء طقمين من الملابس و3 أحذية وحقيبة نسائية واحدة، لتوفر احتياجاتها من أدوات المطبخ التي اكتفت بالقليل منها أيضا.
وتضيف في حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الغلاء حرمها ارتداء فستان الزفاف الأبيض، لأن شراءه سيكلفها ثمنا باهظا لا يقل عن مليون ليرة، أي حوالي 350 دولارا، وقالت: "حتى استئجار فستان الزفاف من صالونات التجميل يصل إلى حوالي 450 ألف ليرة (150 دولارا)، وهو يفوق قدرة خطيبي الذي يعمل في مكتبة بمدينة الحسكة، ويتقاضى 300 ألف ليرة سورية (90 دولارا) كراتب شهري".
وتستطرد العروس: "كما ألغينا حفل الزفاف نظرا لتكاليفه الخيالية التي تصل إلى 10مليون ليرة سورية، أي ما يعادل 3300 دولار، من أجرة النادي والمطرب والضيافة التي ستقدم للمدعوين، واكتفينا بحفل على نطاق ضيق تضم عائلتي وعائلة جميل التي سأعيش معها".
الفضة بديلا للذهب
رغم استياء عائلة خطيبته، فإن الارتفاع المهول في سعر الذهب، الذي بلغ الغرام منه 165 ألف ليرة أي ما يعادل 50 دولارا، دفع صهيب للعزوف عن شراء المعدن الأصفر واستبداله بالفضة.
وأوضح صهيب الذي التقته "سكاي نيوز عربية" في سوق الفضة بالحسكة، أن تدهور الوضع المعيشي وانتشار البطالة وممارسة أعمال بأجور منخفضة، لم يترك أمام المقبلين على الزواج خيارات سوى الاستغناء عن شراء الثياب والذهب والبيت، وإلغاء حفلات الأعراس وولائمها، والاقتصار على لمة عائلية بسيطة تضم المقربين من العروسين، مع غياب مظاهر الفرح المعتادة.
وأضاف: "آلاف الشباب السوريين لم يعد بمقدورهم توفير شروط الزواج، ومنها شراء الذهب الذي يضعه الآباء شرطا عند تزويج بناتهم، وبعضهم كان قبل بضعة سنوات يتخذ قرارا بإرجاء الزواج إلى وقت آخر تنخفض فيه أسعار الذهب وتسترد الليرة عافيتها، لكن العائلات باتت الآن تسهل زواج بناتها بالاستغناء عن العديد من شروط الزواج التي تربينا عليها، ومنها إلغاء يوم الحنة وحفل الزفاف وإقامة الولائم وغيرها".
قران عبر "سكايب"
سهيلة ابنة الـ22عاما ليست الحالة الاستثنائية لشابة سورية تعرفت على خطيبها المقيم في أوربا عبر "سكايب".
وتقول سهيلة، وهو اسم مستعار لشابة من مدينة الرقة، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنها تعرفت على شقيق صديقتها عبر "فيسبوك" بعد أن عرضت عليها زميلتها في الجامعة الزواج من أخيها المقيم في ألمانيا، وتضيف أن عائلة خطيبها تقدمت لخطبتها، وعقد قرانها عبر تطبيق "سكايب" بحضور الشيخ الذي قرأ الفاتحة، بينما كان خطيبها جالسا مع أصدقائه في ألمانيا وهو يردد كلمات المأذون، "كما سألني إذا كنت موافقة على الزواج بخطيبي محمد".
الإحجام عن الزواج
ومن جهة أخرى، ظهر تيار يفضل تأخير الزواج إلى حين تيسر الحال، أو حتى الإحجام عنه نهائيا.
فرغم تخطيه سن الأربعين، لا يزال لؤي المتحدر من ريف الرقة عازفا عن الزواج بسبب ارتفاع متطلباته.
ويحكي لؤي الذي فضل عدم الكشف عن اسمه الثاني لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "العائلات الريفية في بعض المناطق لا زالت متمسكة ببعض العادات القديمة الخاصة بمتطلبات الزفاف، من مجوهرات وملابس وحفل وأثاث منزلي".
وأضاف أن "الغلاء الفاحش في المهور هو ما يدفع شرائح كبيرة للعزوف عن إكمال نصف دينها. استمرار ارتفاع تكاليف الزواج سيرفع نسبة العنوسة بشكل مرعب، يضاف لها قلة نسبة الذكور في مجتمعنا السوري مع فقدان الكثير من الشباب بين قتيل ومفقود ونازح ومهاجر".