تحولت حديقة المتحف القومي في وسط العاصمة السودانية الخرطوم، الجمعة، إلى "سودان مصغر" حيث قدمت أكثر من 30 فرقة تنتمي لمختلف الإثنيات السودانية، عروضها في مهرجان "موسيقى الشعوب" الذي هدف لتحويل التنوع العرقي الثري الذي يتمتع به السودان إلى اداة للتعايش السلمي بدلا من الاقتتال الذي استنزف 6 عقود من تاريخ البلاد.
وظل التنوع العرقي في السودان أحد أبرز الأسباب التي غذت الحروب الأهلية والتي راح ضحيتها أكثر من 4 ملايين شخص، وأفقدت البلاد ثلث مساحتها.
لكن أجواء السلام الحالية التي تعيشها البلاد في أعقاب توقيع اتفاق السلام في أكتوبر الماضي، بدأت تثمر في تحويل ذلك التنوع إلى أداة ثراء ثقافي وتراثي يعزز التعايش السلمي، وهو ما ظهر بقوة في مهرجان موسيقى الشعوب الذي وجد تفاعلا شعبيا كبيرا.
التعايش السلمي
جاءت فكرة تنظيم مهرجان التنوع الموسيقي بالمتحف القومي لتسليط الضوء على التنوع في السودان، حيث يضم الآثار والمقتنيات القديمة التي تظهر حضارة وثقافة المجتمعات السودانية.
وتقول أشول جون والتي تشارك في تنظيم الفعالية لموقع "سكاي نيوز عربية" إن تنظيم مهرجان التنوع هو رد فعل لتعزيز التعايش السلمي والنأي عن خطاب الكراهية الذي ساد لفترة طويلة من الزمان.
وتصيف جون: "هنا يمكنك مشاهدة السودان الجديد الذي يشجع التنوع ويطرد الكراهية بسبب التناحر بين القبائل والادعاء بأن هناك الأفضل ثم الأقل. هذا التصنيف يجب أن ينتهي فورا ولن ينتهي دون أن نحسن إدارة التنوع".
وتُجرى نقاشات غير رسمية في السودان عن إدارة التنوع وتحويلها إلى مصدر قوة بدلا عن التوترات الإثنية التي تنشب في بعض المناطق التي شهدت حربا أهلية لسنوات طويلة في عهد المخلوع عمر البشير الذي أطاح به السودانيون في أبريل 2019.
وتعد إدارة التنوع الثقافي والاجتماعي في البلاد مصدر قلق للعديد من الحركات الاجتماعية والمدنية، ويقول قادة تطوعوا في حراك التنوع، أن التنمية المستدامة في الدول مدخلها تعزيز التعايش السلمي الذي تعرض إلى سلسلة من التدخلات السياسية والاضطرابات الأمنية.
آلة "الوازا"
ولاقت العروض تفاعلا كبيرا من الحضور، وكانت موسيقى "الوازا" من بين العروض المميزة التي لفتت أنظار حضور المهرجان، وهي نوع من الموسيقى التي تصنع آلاتها من الأخشاب وتترنم بها قبيلة الفونج في منطقة النيل الأزرق المتاخمة للحدود الإثيوبية، والتي شهدت حربا ضروس استمرت عشرات السنين.
ويوضح عبد الله إبراهيم عازف آلة "الوازا" لموقع "سكاي نيوز عربية" تركيبة الآلة الخشبية بالقول: "هي آلة تتكون محتوياتها من خشب نبات القرع الذي يتم تجويفه وربطه بحبال وسيقان أشجار تصدر أصواتا رائعة لكنها تعتمد على قوة النفخ بأفواه العازفين".
من جانبها، تقول رقية صديق التي شاركت في مهرجان التنوع، إن أكثر ما جذبها الآلات الموسيقية المصنوعة من الخشب والتي تصدر أصواتا رائعة، مشيرة إلى أنها ترعرعت في العاصمة وتريد أن تشاهد شيئا مختلفا، لذلك جاءت مع عائلتها إلى المهرجان.
موسيقى الشرق
مع رقصة دائرية وتصفيق لا ينقطع عرضت مجموعة تنتمي إلى قبائل شرق السودان ثقافتها الغنائية إذ تعتمد الموسيقى هناك على آلة "الربابة" التي تطلق عليها بعض المجتمعات "الطنبور" وهي مستوحاة من آلة الغيتار، وتصدر مقطوعات يعتقد عازفون تربوا في بيئات قاسية أنها تجعلهم يحبون حياتهم البدائية.
ويشرح شاب يؤدي وصلة رقص من تراث الشرق بالقفز عاليا ثم التلويح بكلتا يديه للحضور بالقول: "هذه هي ثقافتنا التي نعتز بها قد يراها البعض هنا أنها مدهشة نعم هي كذلك لأننا نتذوقها جدا".
نشر التعليم
ويرى المدير العام لوزارة الثقافة والإعلام محمد سوركتي، أن إدارة التنوع تحتاج إلى نشر التعليم في جميع أنحاء البلاد، لرفع مستوى الوعي الاجتماعي بضرورة التعايش المشترك.
ويقول سوركتي إن المناهج تلعب دورا في إدارة التنوع بإدخال لغات القبائل ضمن المناهج الدراسية في التعليم العام، مضيفا أنه: "إذا كانت المناهج تضم لغات أجنبية ما الذي يمنع تسليط الضوء في المدارس على أكثر من 30 لغة للقبائل؟".