في حيّ "بينج حساروك" في مدينة أربيل، تسكن صفية راشدي مع اثنتين من بناتها "المُطلقات"، وهي امرأة عراقية تنحدر من محافظة العاصمة العراقية بغداد، ولم تتجاوز الأربعين من عُمرها بعد، بينما أبنتاها دون الثامنة عشرة.
تقول صفية في حديث مع سكاي نيوز عربية "تعرضت أنا وبناتي لنفس الظروف تقريباً، تزوجنا دون الخامسة عشرة من عمرنا، ولم يمضِ على زواجنا أكثر من أربع سنوات حتى صرنا مطلقات، ودون أن نحصل على أي تعويض أو نفقة من أزواجنا، فمجموع ما نحصل عليه نحن الثلاثة لا يكاد يكفي أجرة البيت الذي نسكن فيه، بالرغم من أن الوضع الاقتصادي لزوج أبنتي الكُبرى ممتاز تماماً".
تشبه حالة زبيدة مئات الآلاف من الحالات المنتشرة في المُجتمع العراقي، إذ تقول الإحصائيات الرسمية في البلاد بأن مجموع حالات الطلاق شهرياً في البلاد تُقدر بحوالي عشرة آلاف حالة في مختلف المحافظات، وهي واحدة من أعلى نسب الطلاق في العالم، بحيث أنه ثمة حالة طلاق واحدة في البلاد كل أربعة دقائق، وأن 3% بالمائة من المتزوجين يتعرضون للطلاق سنوياً. الأرقام الرسمية تقول في التفاصيل بأن ما يُقدر بـ20 بالمائة من حالات الزواج في البلاد تنتهي بالطلاق خلال السنوات الثلاثة الأولى من الزواج.
الباحثة الاجتماعية العراقية حسناء الراوي، والمتعاونة مع مؤسسات المُجتمع المدني العراقية المدافعة عن حقوق النساء، شرحت في حديث مع سكاي نيوز عربية موضوعية الأرقام الرسمية "حقيقة تذكر الأرقام الصادرة عن مؤسسات الدولة في العراق حالات الطلاق التي تتم بشكل رسمي، وهي تقريباً ثُلثا الأرقام الفعلية التي تحدث في المجتمع. فأعداد ضخمة من حالات الزواج، وتالياً الطلاق، تجري خارج المؤسسات الرسمية، برعاية من شبكات التزويج الدينية والاجتماعية، التي تنفذ الجانب الشرعي من عملية الزواج، وتؤجل الإجراءات الرسمية إلى أوقات لاحقة".
تضيف الباحثة الراوي في حديثها مع سكاي نيوز عربية "يحدث ذلك لأن تلك الزيجات أما تتم مسبقاً بغية أن يكون زوجاً مؤقتاً، أو ما يوصف غالباً بـ(زواج المُتعة)، وفي حالات أخرى موازياً لا يكون موافياً لشرط العُمر بالنسبة للفتاة، فتؤجل الأوراق الرسمية لحين بلوغ السن الشرعي. وغالباً ما تنتهي تلك الزيجات خلال فترة قصيرة من الزواج، وتُصبح الفتاة بُحكم المُطلقة، وإن لم تكن محصية في الأرقام والسجلات الرسمية، وليس لها أية حقوق مدنية تجاه الزوج حسب القانون العراقي".
المؤسسات النسوية/المدنية العراقية كانت قد نشرت إحصائيات ومؤشرات حول المُحددات العُمرية لفئة المُطلقات/المطلقين في البلاد، حيث أجمعت كُلها على أن ثلثي حالات الطلاق تتم بين الفئات العُمرية التي تتراوح بين 15-30 سنة، بالرغم من أنهم يشكلون أقل من 25 بالمائة من مجموع المتزوجين في البلاد.
هذا المؤشر العُمري اللافت فسره الناشط المدني العراقي رزكار صوفي بأنه يتعلق بفشل المتزوجين حديثاً في إيجاد فرص مناسبة للحياة وبناء أسرة متماسكة، وأن الظرف الاقتصادي هو أبرز الفاعلين في ذلك المجال "لا يمتاز الظرف الاقتصادي في العراق بأي استقرار، فالقطاع الزراعي ذاهب للانهيار بالتقادم بسبب قطع إيران وتُركيا لمياه الأنهار، كذلك تعاني فئة الموظفين تدهور مداخيلها، جراء تراجع قيمة العملة المحلية والتضخم الاقتصادي، وتالياً فشلها في شراء بيوت مستقلة أو مشاريع خاصة. كل ذلك يصدم الأفراد خلال السنوات الثلاثة من الزواج، بحيث يعتقد المتزوجون بمزيد من سوء القُدرة على تحمل المسؤولية المالية والنفسية في بناء أسرة متماسكة، لذا تحدث حالات الطلاق بكثافة".
لكن الأكثر إثارة للملاحظة هو تطور المجموع الكُلي لحالات الطلاق في البلاد، وما قد يعنيه ذلك من تحولات في البنية المُجتمعية في العراق. إذ كانت مجموعة الحالات في البلاد تتراوح بين 45-55 ألف حالة سنوية، حسب الإحصاءات المرصودة بين الأعوام 2004-2016، لكنها قفزت فجأة بعد ذلك لتتجاوز 100 ألف حالة سنوية ف الأعوام التالية، أي ما يُقارب ضعف الحالات السنوية التي كانت من قبل.
يعود ذلك إلى الظروف السياسية والأمنية الخاصة التي مرت بها البلاد خلال تلك السنوات، إلى جانب البنية القانونية الحقوقية التي تم تكريسها من قِبل الأحزاب الدينية، حسب الباحثة الاجتماعية العراقية حسناء الراوي، التي أضافت في حديث أضافي مع سكاي نيوز عربية في نفس الموضوع "هذه السنوات الأخيرة هي بامتياز هي زمن الانهيار العراقي، حرب أهلية ضخمة وتراجع في الظرف الاقتصادي، وسيادة الميليشيات المُسلحة بدل المؤسسات والأجهزة الرسمية. كل ذلك خلق ظرفاً ضاغطاً في كافة مناح الحياة، مما زاد من حالات الطلاق بنسب كبيرة".
وأضافت الراوي في حديثها "لا يعني ذلك بأن زيادة النزعة الفردية المتأتية من كثافة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة دون دور رئيسي يضاف للأدوار الأخرى. كذلك ثمة دور لتراجع دور القانون الرسمي في منع حالات الطلاق. فالقوانين العراقية التي أُقرت منذ أواخر الخمسينات من القرن المنصرم كانت تضع جملة من المُتطلبات على عاتق الزوج، مما كان يزيد من حسابات الزوج بالإقدام على الطلاق. أما القوانين الراهنة فهي ذكوري تماماً، بسبب سيطرة الأحزاب الدينية على البلاد، لذلك صار العوائق والمسؤوليات أقل للغاية، وزادت حالات الطلاق".