منذ سنوات والمغرب يسعى للقضاء على ظاهرة تزويج القاصرات، التي تبدو مستعصية، خاصة مع تحايل الكثيرين على القانون، كما في حالة زواج "الكونترا".
ويطلق زواج "الكونترا" (العقد) على موافقة الأهل والالتزام بدين مالي بين الزوج وولي أمر الفتاة القاصر (أقل من 18 عاما).
ويلزم هذا الاتفاق العريس بتوثيق الزواج عند بلوغ العروس السن القانونية للإرتباط، أو دفع الدين في حال تراجعه عن الاتفاق.
حرب على الكونترا
وكان وزير العدل والحريات السابق، مصطفى الرميد، أعلن الحرب على زواج "الكونترا"، وطالب في منشور رسمي من رؤساء المحاكم والوكلاء العامين للملك بالتصدي لهذه الأفعال بكل الوسائل القانونية الممكنة.
وقال الرميد إن هذه التصرفات "تمثل مسا خطيرا بكرامة القاصرات وبحقوقهن الإنسانية، وقد تشكل جريمة إتجار بالبشر".
ويعتبر مهتمون بهذا النوع من القضايا زواج "الكونترا" تحايلا واضحا على مقتضيات القانون، ونوعا من أنواع الإتجار في البشر، ومسا خطيرا بحقوق الطفلات القاصرات.
ويرجعون الأسباب وراء انتشاره في بعض مناطق المغرب بالأساس إلى العوز والفقر وغياب الوعي.
وفي ظل غياب إحصاءات دقيقة حول هذا النوع من الارتباط الجاري خارج إطار القانون، تلقى القضاء المغربي خلال عام 2019 أكثر من 27 ألف طلب إذن لتزويج قاصرات، حسب معطيات النيابة العامة.
وقد عرف معدل زواج القاصرات انخفاظا بين 2014 و2020، حيث تم تسجيل أكثر من 33 ألف و 489 حالة عام 2014، بينما تراجع هذا الرقم إلى 12 ألف و 600 حالة في عام 2020، وفق أرقام سابقة قدمها وزير العدل، محمد بنعبد القادر.
وتنص المادة المادة 19 من مدونة الأسرة المغربية (مدونة الأحوال الشخصية) على أن أهلية الزواج تكتمل بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية 18 سنة شمسية.
ويحذر نشطاء حقوقيون ومدنيون من استغلال الاستثناء الذي تتيحه المادة 20 من قانون مدونة الأسر، من أجل تزويج فتيات تحت سن الثامنة عشر.
الاصطدام بالواقع
وتقول نجاة المنحدة من مدينة بن ملال وسط المغرب: "تزوجت في سن 17 عاما، من شاب كان يقيم في إيطاليا، عن طريق الكونترا، لأنني كنت قاصر ساعتها، وأقر الشاب بموجب عقد أنه مدين لوالدي بمبلغ 30 ألف درهم مغربي (3400 دولار)، وذلك من أجل إثبات صدق قوله وحسن نيته إزاء توثيق الزواج مستقبلا".
وتحكي نجاة (25 عاما) لـموقع "سكاي نيوز عربية" كيف أقنعها أهلها آنذاك بأن زواج "الكونترا" هو ما سيكفل لها حقوقها، ويمكنها من توثيق و ترسيم زواجها قبل أن تصطدم بواقع مغاير.
وتقول الشابة: "تحول زواجي إلى كابوس مازلت أعيش تفاصيله إلى اليوم، فبعد مرور أربع أشهر على ارتباطنا اختفى زوجي عن الأنظار دون أن يوثق زواجنا، لأجد نفسي بعدها لا أملك أدنى وثيقة قانونية تحميني أو تثبت ارتباطنا".
تضيف نجاة "لو عاد بي الزمن إلى الوراء لما وافقت على تزويجي بتلك الطريقة، ولا أتمنى لأي فتاة أن تعيش نفس الإحساس الذي انتابني لسنوات، جراء الصدمة التي تلقيتها ولم أستوعب إلى اليوم ما وقع بي".
تحايل على القانون
ويعتبر قانونيون أن زواج "الكونترا" يشكل التفاف على مقتضيات مدونة الأسرة، حيث تتيح المادة 20 من المدونة لقاضي الأسرة منح إذن بزواج الفتى أو الفتاة دون السن الأهلية، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب، بعد الإستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي.
وتصنف المحامية والناشطة الحقوقية، زهور الحر، زواج "الكونترا" في خانة الإتجار بالبشر، لكونه يقوم على عملية تزويج فتاة لم تبلغ سن الرشد مقابل اعتراف بدين، في ما يشبه البضاعة المعروضة للبيع.
وتشير الحر في تصريح لموقع"سكاي نيوز عربية" إلى أن هذا النوع من الزواج الذي تصفه بـ"النخاسة" يعرف انتشارا في مناطق محددة من المغرب ويلقى إقبالا ملحوظا أيضا في أوساط بعض المهاجرين المغاربة عند عودتهم إلى المملكة خلال فترة العطل.
وتشدد المتحدثة على ضرورة تعزيز الترسانة القانونية من أجل صون حقوق فتيات يتم تزويجهن عن طريق "الكونترا" في غياب قانون يحميهن، مشيرة الى أن الكثير من الفتيات لا يلجئن إلى طلب الحماية القانونية، سوى بعد انتهاء العلاقة والتي ينتج عنها أطفال في أغلب الحالات، حيث يكفل القانون المغربي النسب للطفل ويقر ببنوة الابن الطبيعي لأبيه البيولوجي.
كما تشدد الناشطة الحقوقية على ضرورة معالجة الأسباب التي تؤدي إلى انتشار مثل هذا النوع من الزواج، وفي مقدمتها الهشاشة و الفقر، و على وجوب توفير شروط العيش الكريم و التمكين الاقتصادي للفتيات.
استثناء تحول إلى قاعدة
ولمواجهة تصاعد الظاهرة، تطالب العديد من الأصوات الحقوقية والسياسية في المغرب بتعديل المادة 20 من قانون مدونة الأسرة، التي تتضمن استثناء يتيح تزويج القاصرات، معتبرة أن هذا التعديل أصبح ضرورة ملحة أمام إشكالية توظيف السلطة التقديرية الممنوحة للقضاء.
وتقول النائبة البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية (معارض)، فاطمة الزهراء برصات، أإن نسبة قبول طلبات الإذن بتزويج القاصرات تجاوزت 85 في المائة بين سنتي 2011 و2018 حسب إحصائيات وزارة العدل، وهو ما يؤكد بأن الاستثناء الذي تسمح به مدونة الأسرة من أجل تزويج القاصر في إطار محدد قد تحول اليوم إلى قاعدة.
وتضيف النائبة البرلمانية التي سبق وأن تقدمت بمقترح قانون لمنع تزويج القاصرات في المغرب، أن جميع المؤشرات المتوفرة تؤكد أن هذه الظاهرة تعرف استقرارا ولا تشهد أي تراجع ملحوظ، حيث تم في عام 2018 على سبيل المثال تزويج ما يفوق 14 ألف طفلة قاصر.
وفي حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، تشدد برصات على ضرورة القضاء على هذه الظاهرة بكل الطرق الممكنة لما تخلفه من آثار نفسية وجسدية وخيمة على الطفلات القاصرات، اللاتي يحرمن من حقوقهن في التمتع بطفولة طبيعية.
وتؤكد المتحدثة بأن المقاربة القانونية وحدها غير كافية لمحاربة هذه الظاهرة، لافتة إلى وجوب اعتماد برامج موازية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية، قصد التحسيس بخطورة هذه الظاهرة وانعكاساتها السلبية على المجتمع.
وأمام غياب معطيات وأبحاث ميدانية، تدعو النائبة في البرلمان المغربي، إلى ضرورة التوعية بخطورة زواج "الكونترا" الذي تعتبره استغلالا للفتيات القاصرات ومسا بكرامتهن، وسببا في حرمانهن من التمتع بحقوقهن الإنسانية وعلى رأسها الحق في التعليم والصحة والترفية.