بعد النجاح الكبير الذي حققه موكب نقل المومياوات الملكية بالقاهرة، تتواصل الاستعدادات لتنظيم حدث فرعوني ضخم يجذب أنظار العالم إلى مصر من جديد، لكن هذه المرة في الأقصر التي تضم أهم آثار العالم.
وأعلن وزير السياحة والآثار المصري، خالد العناني، أن الوزارة تجهز حاليا لافتتاح مشروع ترميم طريق "الكباش" أو "أبو الهول" بمحافظة الأقصر، الذي يربط بين معبدي الأقصر والكرنك.
وسيتضمن الاحتفال فعالية كبرى لإعادة إحياء عيد "الأوبت"، أحد أقدم أعياد المصريين القدماء، وكان يُقام سنويا في طريق "أبو الهول".
افتتاح طريق الكباش
وقال وزير السياحة والآثار المصري إنه من المقرر افتتاح تطوير طريق "أبو الهول" بداية الموسم الشتوي المقبل، لكن لم يتم الاستقرار على موعد محدد بعد.
وتابع العناني في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه ستتم مراعاة اختيار موعد افتتاح طريق الكباش بما لا يتعارض مع أي فعاليات أو أحداث كبرى ستشهدها مصر في الفترة المقبلة خلال عام 2021، مثل افتتاح قصر محمد علي في منطقة شبرا، بعد تطويره، وانتهاء تجهيزات المتحف المصري الكبير وغيرها.
احتفال غير مسبوق
وأضاف العناني أنه سيتم تنظيم احتفالات كرنفالية كبرى لأول مرة في التاريخ، ستمر في الطريق بعد افتتاحه، مع إعادة إحياء عيد "الأوبت".
وأوضح الوزير أنه ستتم دعوة شخصيات مهمة ومؤثرة دوليا للمشاركة في الافتتاح وإعادة إحياة عيد الأوبت، وذلك ضمن خطط وزارة السياحة والآثار للترويج لمصر سياحيا.
يذكر أن "طيبة" أو الأقصر حاليا، هي المدينة التي ينتمي إليها الملوك الذين وحدوا مصر، وواحدة من أهم مدن مصر، وهي المكانة التي ظلت عليها طوال التاريخ المصري القديم.
طقس فرعوني
ويقول الباحث في علم المصريات، محمود خوفو، إن "تطوير طريق (أبو الهول) نقلة حضارية وإضافة كبرى لقيمة معبدي الكرنك والأقصر، حيث كان الطريق مسار الاحتفالات والمواكب الكبرى في مصر القديمة، وأبرزها عيد الأوبت السنوي".
ويضيف "خوفو" في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن احتفالات "عيد الأوبت" مجسدة على 14 عمودا بالجهة اليمني في الصالة المستطيلة بمعبد الأقصر، حيث كان يمر الموكب الفرعوني أثناء انتقاله من معبد الكرنك إلى معبد الأقصر في الليل.
ويوضح الباحث الأثري أنه على الناحية اليسرى من المعبد، تتجسد رحلة العودة من معبد الأقصر، وكان يمر الزورق المقدس المصنوع من خشب الأرز، محمولا على أكتاف الكهنة.
ويتابع: "يمكن للسائح أو الزائر أن يسير مترجلا في طريق (أبو الهول) بين المعبدين خلال أقل من ربع ساعة، في رحلة ممتعة يستعيد من خلالها طقس مصري قديم وعريق".
ويؤكد الباحث في علم المصريات، أن طريق "أبو الهول" يشهد حاليا "عملا جبارا لتطويره" من خلال وزارة الآثار، وتتبقى اللمسات الأخيرة لافتتاحه قريبا.
سياحة وثقافة
ويرى "خوفو" أن افتتاح "طريق أبو الهول" وإعادة إحياء "عيد الأوبت" سيفوق موكب المومياوات الملكية، وسيُحدث ضجة كبرى في العالم، لأنه مستند لطقس مصري قديم، وليس مجرد تنظيم فكرة جديدة كنقل المومياوات.
وعن مساهمة افتتاح طريق "أبو الهول" في إنعاش السياحة بالأقصر، يؤكد أن المحافظة التي تضم أكبر كمية آثار في العالم، تشهد بالفعل رواجا سياحيا لبعض الجنسيات الأوروبية، وبعد افتتاح المشروع ستعود قبلة للسياحة الأثرية والثقافية مرة أخرى وبصورة أكبر.
ويضيف: "المشروع سيعزز السياحة الداخلية ويسهم في تعريف المصريين بحضارة بلدهم، وهو ما يجب تعزيزه ببرنامج ثقافي وتوعوي لغرس قيم الحضارة القديمة في نفوس المصريين".
ويكمل الباحث الأثري أن "جزءا من احتفالات إحياء عيد الأوبت مرتبط بالنيل، الذي كان يقدسه المصريون القدماء من منظور عقائدي وحضاري باعتباره أساس الحياة، فهو بحق شريان الحياة للمصريين ولا تفريط في نقطة مياه واحدة فيه".
ويتابع: "مصر هي التي علمت الحضارة للعالم وهي مهد الديانات، ورغم كل الاكتشافات الأثرية الأخيرة مازال البر الغربي بالأقصر بامتداد 3 كيلومترات من الشمال للجنوب، يحمل الأسرار والآثار في باطنه وفوق أرضه".
عيد الأوبت بمعبد الأقصر
ويعد عيد "الأوبت" من أهم أعياد التقويم في مصر القديمة، ويرمز إلى "تجديد شباب ملوك الفراعنة من وحي الطبيعة".
ووفق الموقع الرسمي لوزارة الآثار المصرية، فإن المصريين القدماء لاحظوا أثر الطبيعة المتجددة التي أحاطت بهم، مثل الشمس، وفيضان النيل سنويا.
ويوضح موقع السياحة والآثار المصري أنه عندما كان يعود فيضان النيل، كان يتم حمل تماثيل الأرباب آمون وزوجته موت وابنهما رب القمر خونسو، من معبد الكرنك إلى معبد الأقصر، وهناك يتحدوا مع قوى "آمون إم أوبت" المتجددة، حيث يتجدد شبابهم وشباب الملك والطبيعة كلها في هذه العملية، قبل أن يعودوا شمالا إلى الكرنك، حاملين معهم فيضان النيل شمالا إلى بقية أراضي وادي النيل.
وأطلق المصريون القدماء على معبد الأقصر اسم "إيبت رسيت" أي "الحرم الجنوبي"، ويقع على بعد 3 كيلومترات جنوبي معبد الكرنك.
معبد الكرنك
ووفق موقع وزارة الآثار، فإن معبد الكرنك بالبر الشرقي للأقصر، أو "إيبت سوت" أي "البقعة المختارة"، كان يتم فيه تقديس "الرب العظيم آمون، إله طيبة".
وأبدع المصريون في رسم النقوش التي تغطي جدران معبد الكرنك، ونحت التماثيل التي تزينه، وتضم صالة الأعمدة الكبرى حوالي 134 عمودا، وهي الصالة الأشهر والأكبر على مستوى العالم.
ويعتبر الكرنك مجمع معابد، أبرزها معبد الأوبت، الذي تم بناؤه في العصر اليوناني الروماني لـ"أوبت الربة"، المتمثلة في شكل فرس النهر المسؤولة عن الولادة.
ومازالت البحيرة المقدسة التي كان الكهنة يتطهرون بها قبل طقوس المعبد موجودة برونقها حتى اليوم، وتنتشر العديد من المعابد الأخرى في محيط الكرنك، مما يجعله متحفا مفتوحا.
افتتاحات أثرية
وفي إطار خطة كبرى لتنشيط السياحة، واستغلال النجاح الكبير الذي حققه موكب نقل المومياوات الملكية، افتتحت مصر خلال الفترة الماضية 3 متاحف جديدة في 3 محافظات، هي متاحف شرم الشيخ وكفر الشيخ والمركبات الملكية بالقاهرة، إضافة إلى قصر البارون إمبان بمصر الجديدة، والمتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط.
كما تم افتتاح أول متحف أثري بمدينة الغردقة وهرم زوسر المدرج بسقارة بعد 14 عاما من الترميم، إضافة لافتتاح مصنع المستنسخات الأثرية الأول من نوعه في مصر والشرق الأوسط.