لم تكن السيدة مها بنسليمان العلمي تتوقع أن المبادرة التي قامت بها مند عام 2019 بدافع إنساني عال، وبرغبة في تضميد جراح الموت والفقد، ستؤتي أكلها، وستكون سباقة لخلق مبادرة إنسانية تساهم في تأمين سكن لائق للمحتاجين بالعاصمة الاقتصادية للمغرب الدارالبيضاء، وتصون كرامة مجموعة من الأسر المغربية المحتاجة.

ولكن هذا ما تحقق عن طريق تمويل جماعي يمر عبر توظيف إيجابي لوسائل التواصل الاجتماعي، وخلق مجموعة مواطنة عبر شبكة فيسبوك تحت اسم "داري بحال الناس" #DariB7alNass، أي "بيتي مثل الناس".

فقد استطاعت هذه المبادرة الإنسانية لحد الآن تأمين سكن اجتماعي لائق لست عائلات مغربية، تضم 29 شخصا: 11 بالغا، و18 طفلا، عبر وضع استكتاب في مجموعتها المواطنة بالفيسبوك يساهم فيها كل عضو من المجموعة بمبلغ 250 درهما مغربيا، وحينما يصل العدد إلى ألف شخص، يكون مبلغ المنزل قد استوفى أي 250 ألف درهم، وهو ثمن السكن الاجتماعي بالمغرب.

مبادرة نبيلة

وعن هذه المبادرة تقول السيدة مها بنسليمان العلمي، الإطار بمؤسسة بالدار البيضاء، في تصريح لـ "سكاي نيوز عربية"، إن عبارة "داري بحال الناس" نقلتها لها سيدة بألم كبير وحسرة، لأن ابنتها تقول لها دائما: "وقتاش تكون عندنا دار بحال الناس؟" أي "متى ستكون لنا دار مثل الناس".

أخبار ذات صلة

مع اقتراب الانتخابات في المغرب.. جدل بشأن "الإحسان السياسي"
بميزانية ضخمة.. "ثورة اجتماعية" في المغرب برعاية الملك

وتضيف "تلك العبارة كانت المحرك والدافع الذي جعلني أتجند لإيجاد حل لصون كرامة هذه المرأة وابنتها، لأنه من دون سقف يأوي تلك الأسرة لا يمكن لها العيش بسلام وأمان، فقلت لتلك السيدة سأفعل ما في وسعي لمساعدتك، وهو ما جعلني أتحرك وأنا في عز الحداد على فقد أخي الغالي، الذي أخذه مرض السرطان الرهيب، مثل الوالد رحمهما الله، فكان هذا العمل الخيري طريقة أكرم بها أخي أمين الذي تكلف بتربيتي وتعليمي بعد الوالد، وزرع في بذرة الخير والقيم النبيلة، والإحسان للناس".

وتؤكد السيدة مها العلمي أنه منذ لقائها بتلك السيدة، وتلك العبارة تسكنها، فعملت أقصى ما في جهدها من أجل المساعدة، فتواصلت مع محيطها، ولحسن الحظ وجدت أناس كثيرين يتقاسمون معها هذا الحس الإنساني والتطوع لعمل الخير، فتمكنت من خلق هذه المجموعة المواطنة عبر الفيسبوك، وهي المجموعة التي تضم اليوم 3500 عضو، كلهم أناس خيرون يسعون لفعل الخير، كان يلزمهم فقط المحرك.

الخير في الجميع

وتقول العلمي: "بذرة الخير موجودة في كل واحد فينا، وهذا ما أظهرته مجموعتنا، ومجموعات أخرى في الطريق ترغب في نقل تجربتنا في مجالات أخرى كالدراسة، والصحة، والعمل، لأنها كلها مجالات مهمة تستحق منا الاهتمام بها وخلق مجموعات مواطنة تعمل من أجل تفعيل الخير فيها ودعم الشباب والمحتاجين، خاصة بعد مصادقة الدولة على قانون التمويل الجماعي، في شهر فبراير الماضي، ولم يعد هناك أي عائق أمام هذا العمل المواطني والتضامني الصرف".

 وعن عمل المجموعة وكيفية تأمينها البيوت للمحتاجين، تقول العلمي إنه بعد تجميع المبلغ المطلوب لاقتناء البيت، والذي تسلم فيه المجموعة لكل عضو قسيمة الكرامة برقم تسلسلي، يلجأون إلى "مركز المسيرين الشباب للمقاولة، وجمعية "ندير الخير"، التي يؤمنونها على المبلغ المحصل، والتي تقوم بالتنسيق مع أحد المنعشين العقاريين من أجل اقتناء البيت الذي تختاره الأسرة، والذين في الغالب يمدون يد المساعدة هم أيضا إلى جانب الموثقين.

أخبار ذات صلة

أغلب ضحاياه من الفقراء.. مرض معد يصيب آلاف المغاربة سنويا
حزب مغربي يقترح إحداث "بنك الغذاء" لتطويق "فوضى الصدقات"

سفراء الكرامة

وتوضح صاحبة هذه المبادرة المواطنية والإحسانية، أن كل الأمور تمر بسلاسة كبيرة، وأنهم بعد تأمين البيوت، يتابعون تلك الأسر التي يتم اختيارها من قبل أعضاء المجموعة، فهي اختارت الأسرة الأولى المستفيدة، والتي كانت سبب انطلاق هذه المبادرة التضامنية، أما الأسر الأخرى فتم اختيارها من قبل أعضاء المجموعة الآخرين، والذين يحصلون على صفة "سفراء الكرامة".

وتضيف "كل من اختار أسرة يتحول إلى عراب لها يتابع مسيرتها وأبنائها، لأن اقتناء البيت ليس هو الحاجة الوحيدة لتلك الأسرة، بل تحتاج إلى الدعم والمرافقة".

وتشير مها العلمي إلى أنهم مقبلون في شهر يونيو المقبل على تسليم بيت جديد لأسرة محتاجة، وأنهم يقومون في السنة بأربع مبادرات، ويمكن أن يقوموا بأكثر من ذلك إذا ما توسعت هذه المبادرة، وهذا بالفعل ما سيحدث، لأن هناك طلبات كثيرة تفد عليها في هذا الإطار، حيث سيتم خلق مجموعة بكل من أغادير والرباط، ومدن أخرى.

فنان مغربي: التضامن مع الفقراء ضرورة في زمن كورونا

 احتياجات أخرى

وتتمنى العلمي أن يتنوع الاهتمام بالعمل ولا يقتصر على اقتناء البيوت، فهناك حاجات اجتماعية كثيرة، وعلى رأسها الصحة، حيث يمكن القضاء على أبشع وأخبث الأمراض بالتعاون التآزر.

وتخلص السيدة مها بنسليمان العلمي إلى أن الهدف الأساسي من هذه المبادرة هو الاستثمار في الإنسان، من أجل تأمين حاضر ومستقبل يليق بكرامة المواطنين، والتشجيع على أهمية التواصل الاجتماعي والتلاحم الإنساني.

وتقول: "الإيمان بالإنسان وبالخير هو قاطرتنا نحو بر الأمان، وهذا ما استطعنا إبرازه عبر الاستخدام الإيجابي لوسائل التواصل الاجتماعي، التي أضحت رفيقنا في عز أزمة كورونا".