يثير نظام التعليم في السويد إعجابا وفضولا كبيرين حول العالم، والسر في ذلك يعود إلى نجاعته وتصنيفه المتقدم، رغم أنه لا يثقل كاهل التلاميذ بالأعباء، لأنه يركز على تمكين الأطفال من مهارات مهمة في الحياة، عوضا عن شحنهم بالمعارف النظرية.

وتثار العديد من الأسئلة بشأن التعليم في السويد، مثل سن التحاق الطفل بالمدرسة، وكيف هو اليوم الدراسي؟، وهل يتناول الطالب وجباته فعلا في المدرسة؟ وكم تبلغ تكلفة الدراسة؟ وهل هناك مدارس خاصة؟ ولماذا يجب على الطلاب تعلم السباحة؟ وما هي المناهج التي يتعلمها الطلاب؟.

نظام التعليم في السويد مثير لمن هو بعيد عنه، إذ فيه تفاصيل قد تبدو غريبة، وبعضها يستحق التأمل، لأنه ينطوي على إيجابيات تعود بالنفع على التلاميذ والعملية التعليمية، بشكل عام.

رياض الأطفال.. في كل مكان وكل وقت

بما أنه من المعتاد أن يعمل الأب والأم في السويد، أصبح من الطبيعي أن توفر البلديات رياض أطفال في كل مكان، التي تستقبل الطفل حينما يكون عمره سنة إلى سنة ونصف، إلى أن يصل السادسة من عمره.

وبما أن بعض المهن تستلزم عملا في المساء أو في الليل كالعاملين في القطاع الصحي وسائقي الشاحنات ورجال الأمن، توجد أيضا مؤسسات رياض ليلية لأبناء من يعملون في هذا الوقت المتأخر.

رياض الأطفال ليست مجانية، ولكن طريقة حساب رسومها ملفتة للنظر، فلا يوجد سعر ثابت لوضع الطفل في الروضة، ولكن تقوم البلدية باحتساب نسبة من دخل الأب والأم معا، ولذلك أصحاب المداخيل العالية مبالغ أعلى مقارنة بما يدفعه أصحاب المداخيل المنخفضة.

أخبار ذات صلة

السويد.. تدريس البرمجة من "الأول الابتدائي"

المدرسة تبدأ من السابعة

بعد الروضة، يلتحق الأطفال بسنة تمهيدية في المدارس، وبعد ذلك بسنة يلتحق بالصف الأول الابتدائي، أي في السابعة.

والتعليم الأساسي إجباري في السويد، من الصف الأول الابتدائي وحتى التاسع، ولذلك تسعى البلديات إلى توفير مدارس في كل الأحياء بحيث تكون المدرسة قريبة من المنازل ليتمكن الطفل من الذهاب إلى المدرسة بنفسه.

وفي المقابل، على الوالدين أن يحرصا على ذهاب أبنائهم للمدارس، وحسب النظام يمكن للطفل أن يغيب عن المدرسة دون عذر لمدة عشرة أيام في السنة كحد أقصى.

وإن تجاوز ذلك يتم إبلاغ الشؤون الاجتماعية التي تقوم بالتواصل مع الأهل والتحقيق في أسباب الغياب، وقد يتم فرض إجراءات صارمة على الوالدين. وفي حال الإهمال الشديد قد يصل الأمر إلى سحب الطفل من والديه ووضعه عند أسرة أخرى تقوم برعايته.

لا مناهج

من الأمور التي يستغربها البعض عدم وجود مناهج موحدة في السويد، حيث تقدم كل مدرسة منهجا مختلفا عن الأخرى، وهذا النظام اتبعته حكومة السويد فأعطت البلديات والمدارس حرية اختيار المناهج، ولكن ليس بكامل حريتهم.

وتضع الحكومة معايير للتعلم، ومخرجات مطلوبة من كل مرحلة دراسية، وعلى البلديات والمدارس اختيار المناهج التي تحقق هذه المتطلبات، وبالتالي قد تختلف المناهج بين مدرسة وأخرى، ولكن المفترض أن يكون التحصيل العلمي للطلاب في كلا المدرستين على نفس المستوى.

أخبار ذات صلة

الهجرة إلى السويد.. إجراءات جديدة و"شروط خاصة"

اختبارات عامة كل 3 سنوات

يمر الطالب في المدارس السويدية بثلاثة اختبارات وطنية عامة؛ الأولى حينما يكون في الصف الثالث الابتدائي في مادتي الرياضيات واللغة السويدية فقط، والثانية في الصف السادس في الرياضيات واللغة السويدية واللغة الإنجليزية، والأخيرة في الصف التاسع (الثالث متوسط) في هذه المواد الثلاثة بالإضافة إلى العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية، هذه الاختبارات تكون موحدة وتقام في نفس التوقيت بالضبط في جميع المدارس في السويد.

ولا تقام هذه الاختبارات في نهاية العام، بل يتم توزيعها على السنة الدراسية، وغالبا ما تكون الاختبارات الشفوية موزعة في وسط الفصل الدراسي الأول، والاختبارات التحريرية موزعة في وسط الفصل الدراسي الثاني.

واختبارات الصف الثالث والسادس تهدف للتقييم فقط، وليس فيها نجاح أو رسوب، أما اختبارات الصف التاسع فهي مهمة للغاية وتحدد مستقبل الطالب، لأنه وبناء عليها ستقبله أو ترفضه الثانويات بتخصصاتها المختلفة، لذلك يتعين على من يريد التخصص العلمي مثلا فعليه أن يحصل على معدل عالٍ في الصف التاسع، وإلا فلن يجد أمامه إلا خيارات أخرى كالتخصصات المهنية والفنية.

لا أحذية

من التفاصيل البسيطة المدهشة في الحياة المدرسية في السويد، أن الأطفال حينما يدخلون المدرسة يضعون أحذيتهم في أماكن مخصصة لها، ويقضون يومهم داخل المدرسة دون أحذية، ويرتدونها فقط حينما يخرجون للساحة للعب.

ويساهم ذلك في توفير بيئة أنظف داخل المدرسة، خصوصا وأن التلاميذ يقومون بالعديد من الأنشطة وهم يجلسون على الأرض، كأن يقوموا بجلسة دائرية على الأرض بداية كل يوم.

أخبار ذات صلة

"أطفال تيوب".. تجربة إنترنت آمنة للأطفال

الغداء في المدرسة

في كل مدرسة هناك مطعم مدرسي، تقوم المدرسة بتوفير وجبات للطلاب، ويتناول فيه جميع الطلاب وجبة الغداء. وتحرص البلديات على أن تكون وجبة الغداء منوعة وصحية.

وعادة ما تقوم المدارس بإعلان جدول الوجبات قبل بداية كل أسبوع، وإن كان اليوم الدراسي طويلا، تقوم المدرسة أيضا بتوفير وجبة خفيفة بعد الغداء بحوالي ساعتين.

من الأمور الملاحظة في السويد كثرة المصابين بأنواع مختلفة من الحساسية، كمن لديهم تحسس من الفول السوداني والفستق والمكسرات، لذلك تمنع المدارس منعا باتا من توفير أية أطعمة تحوي بعض الأصناف التي يكثر إصابة الناس بالحساسية منها.

وعلى سبيل المثال، العطور ممنوعة تماما في المدارس والدوائر الحكومية أيضا لنفس السبب. وفي حال كان هناك طالب لديه حساسية خاصة، كمن لديهم حساسية من اللاكتوز، فتوفر له المدرسة طعاما يناسبه.

ومع تزايد أعداد المسلمين في السويد، أصبحت البلديات تراعي ذلك بتوفير أطعمة خالية من لحم الخنزير.

السباحة إجبارية

هناك الآلاف من البحيرات والأنهار في السويد، كما أن السويد لها شواطئ بحرية طويلة، وتعوّد السويديون على قضاء إجازاتهم خصوصا القصيرة منها عند البحيرات والأنهار. وأدى ذلك إلى أن تكون ثقافة التعامل مع المياه مهمة في الحياة السويدية، خصوصا فيما يتعلق بالحماية من المخاطر.

لذلك فرضت الحكومة السويدية تعلم السباحة على جميع الطلاب في المدارس، فتقوم المدارس بتعليم الطلاب السباحة بشكل متقطع وحسب ما ترى كل مدرسة من السنوات الأولى، ولكن حينما يصل الطالب إلى الصف السادس الابتدائي لا بد أن يجتاز اختبارا بقطع 200 متر سباحة، 50 مترا منها على الأقل سباحة على الظهر.

بهذا تضمن الحكومة أن جميع الشعب تقريبا يتقن السباحة، مما يخفف من حوادث الغرق إلى حد كبير.

رعاية قبل المدرسة وبعدها

بما أن المعتاد في السويد أن يعمل الأب والأم سوية، فإنه من المعتاد أن يكون يومهما في العمل أطول من اليوم الدراسي للطلاب، وهذا سينتج عنه مشكلة: هل يقوم أحد الوالدين بالاستئذان يوميا من عمله لأخذ أبنائهم وبناتهم من المدرسة إلى المنزل ورعايتهم هناك؟.

حلا لهذه المشكلة، أوجدت الحكومة السويدية نظاما يسمى "الوقت الحر"، وهو أشبه برياض الأطفال ولكن للأطفال الأكبر من ذلك حتى الصف السادس الابتدائي، يتيح للطالب البقاء في المدرسة بعد نهاية الدوام الدراسي تحت إشراف معلمين حتى ينتهي آباؤهم من أعمالهم.

ويقوم المعلمون في هذا الوقت بالكثير من النشاطات المختلفة مع الطلاب، أغلبها تكون أنشطة ألعاب داخلية في المدرسة أو خارجية في الساحات أو الحدائق المجاورة.

وبما أن أوقات العمل تختلف من مهنة لأخرى، فإنه من المعتاد أن يبدأ نظام الوقت الحر قبل بدأ الدراسة بساعتين تقريبا، ويتم فيها توفير وجبة إفطار للطلاب، ويستمر لأربع أو خمس ساعات بعد نهاية المدرسة.

ويتم خلالها توفير وجبات خفيفة أخرى، كما تتيح البلديات مراكز أخرى غير المدارس تتيح نظام الوقت الحر لمن يعملون في المساء أو الليل.

مدارس خاصة مجانية

التعليم الحكومي في السويد مجاني بالكامل، وتسعى البلديات إلى عدم تكليف الأهالي أي شيء حتى في الأدوات المدرسية الأساسية، كما لا تُقام الأنشطة والرحلات إلا إن كانت ممولة من البلدية، وذلك حتى لا يُعرضوا الأهالي محدودي الدخل لأي إحراج، مما قد ينعكس على أولادهم في المدرسة. كما لا توجد في المدارس السويدية مقاصف أو أماكن لبيع الأطعمة أو أي شيء، بالتالي لا يحتاج الطالب لإحضار نقود معه للمدرسة.

حينما أقرت الحكومة نظام المدارس الخاصة، أقرته وفق هذه الرؤية، وهي ألا تطلب المدارس الخاصة من الأهالي شيئاً، بالتالي حينما تضع عائلة ابنها في مدرسة خاصة فإنها لا تدفع أي رسوم لهم، ولا أي تكاليف أخرى.

إذن كيف تربح المدارس الخاصة؟، تقوم البلديات بحساب تكاليف كل طالب، وتضع قائمة سعرية ثابتة محددة، وتدفع هي للمدرسة تكاليف الطلاب المسجلين عندها، بالتالي حينما يسجل في مدرسة خاصة عدد من الطلاب، تقوم المدرسة برفع أسمائهم للبلدية، وتقوم البلدية بتسديد أقساطهم وتكاليفهم وفق الأسعار التي تحددها البلدية نفسها.

أصبح للأهالي كامل الحرية في وضع أبنائهم في مدرسة خاصة أو حكومية، ففي الحالتين لن يكلف خيارهم أي تكاليف مادية، وبالتالي سيسعون للأفضل لأولادهم، أما المدارس الخاصة فأصبحت تتنافس فقط في جودة التعليم والخدمات التي تقدمها للطلاب حتى تجذبهم إليها، بدون وجود أي حرب في الأسعار، ولا أي نقاش مادي بينهم وبين الأهالي.

كل المدارس "مدارس لغات"

مادة اللغة الأساسية للطالب في السويد هي اللغة السويدية بالطبع، ويدرسها بكثافة في جميع سنواته الدراسية، إضافة إلى ذلك يتعلم الطالب اللغة الإنجليزية بدءا من الصف الثالث عادة، وتتضمن الاختبارات الوطنية العامة في الصف السادس والتاسع اختبارين في اللغتين السويدية والإنجليزية.

إضافة إلى ذلك يقوم الطالب في الصف السادس باختيار لغة أخرى إضافية ليتعلمها، كالفرنسية أو الألمانية أو الإسبانية أو الروسية أو لغة الإشارة.

كما تتيح البلديات دروسا خاصة لمن لديهم لغات أخرى كالأقليات، أو القادمين من دول أخرى، فالطالب العربي مثلا تُخصص له حصة إضافية باللغة العربية مرة في الأسبوع، وكذلك أي متحدث بأي لغة أخرى كالألمانية والإسبانية والهندية وغيرها.

بناء على ذلك، قد يتخرج الطالب من الصف التاسع وهو يتحدث أربع لغات مختلفة تعلمها كلها في التعليم الأساسي في المدرسة.