تحرص الأمهات التونسيات خلال شهر رمضان على إعداد طبق الكسكسي على مائدة الإفطار، خاصة في ليلة النصف من الشهر الكريم وليلة ختم القرآن في السابع و العشرين من الشهر نفسه.

ويعد الكسكسي الطبق الأكثر شعبية في تونس، حيث تحيط به طقوس جعلت منه الأكلة الأكثر تبجيلا لدى العائلات وشريك الأفراح والأتراح و المناسبات الدينية.

تقول السيدة آمال بلخشين "إن العادة المتوارثة من الأجداد تتمثل في طهي الكسكسي في ليلة النصف من شهر الصيام وفي ليلة السابع والعشرين منه وفي نهاية السنة الهجرية ويعتقد أنه بذلك نقفل سنة ونستقبل سنة جديدة باستعمال -المقفول- وهو آنية طبخ الكسكسي، أما "ليلة النص" و"ليلة 27" حسب التسمية الشعبية فهي مواعيد تحتضتن احتفالات العائلة التونسية كالخطوبة وعقد القران والختان، ولا يليق بهذه المناسبات السارة غير طبق الكسكسي فنختار له أجمل آنية فخارية كبيرة وتلتف حوله العائلة وضيوفها الكرام".

وتتابع حديثها: "الكسكسي هو رمز أفراحنا، نعده من الدقيق سنويا خلال الصيف ونخزنه ليكون زادنا طيلة العام وفخرنا في المناسبات العائلية".

أطباق الكسكسي في تونس تتنوّع حسب المناطق

 ويتشبث التونسيون جيلا بعد جيل بالعادات المتأصلة، التي يتوارثونها عن الأمهات والجدات، مثل العولة (أي إعداد مؤونة العام من مختلف المواد الاستهلاكية)، ويكون الكسكسي المادة الرئيسية بينها ويحضّر في أجواء احتفالية مع كل أفراد العائلة والجيران، حيث يكون لكل دوره حتى الأطفال تحرص العائلات على مشاركتهم حتى تترسخ فيهم العادات والتقاليد.

ورغم أن الكسكسي أصبح مادة مصنعة تباع في كل الأماكن، غير أن الكسكسي الذي تعده الأمهات بالطريقة التقليدية وتقدمه في المناسبات العائلية والدينية يبقى الأشهى لأنه يحمّل بين حباته الذاكرة وروح الجماعة.

وتتفق الطاهية التونسية فاتن كرير على أن "طبق الكسكسي أساسي ولا يغيب على طاولة الإفطار في ليلة النصف من رمضان وليلة 27 منه وهو طبق يطلبه الحرفاء ونتفنن في إعداد أنواع منه ومن أشهرها كسكسي بالعصبان وكسكسي بالعلوش وكسكسي بالحوت وكسكسي بالخضر وكسكسي البرزقان وكسكسي مسفوف الذي يعد خاصة للسحور".

وتحدث الباحث في المعهد الوطني للتراث عماد صولة لـ"سكاي نيوز عربية" قائلا إن "طبق الكسكسي مهم للغاية في التقاليد المطبخية للتونسيين وهو عنوان الذاكرة وإحدى السمات الثقافية لبلدان شمال أفريقيا".

أخبار ذات صلة

بوزن هائل.. مدينة غدامس الليبية تطهو أكبر طبق كسكسي
رأس السنة الأمازيغية في المغرب.. زخم في الأطباق والاحتفالات

وذكر أن أطباق الكسكسي في تونس تتنوّع حسب المناطق والمجموعات والفصول والمناسبات، إذ يختلف كسكسي الأفراح عن كسكسي المأتم وعن كسكسي الأعياد الدينية، مبرزا "أنه أكثر من مجرد أكلة فهو يحمل دلالات اجتماعية وتاريخية تتعلق بذاكرة الجماعة".

ويعود أصل طبق الكسكسي إلى الأمازيغ وهم السكان الأصليون لشمال أفريقيا، ويؤكد الباحث أنه تم العثور في عدة مواقع أثرية في تونس على بقايا آنية الكسكاس وتعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد وهي الأداة الرئيسية في إعداد الكسكسي.

وأكد أن الكسكسي عنصر ثقافي وحضاري على اعتبار كل ما يحيط به من تقنيات ومعارف وطقوس، وأن تنوع مكونات إعداد الأكلة تعكس تنوع الأنظمة البيئية والمناخية ذلك أن ما يتوفر في مناطق شمال البلاد من زراعات وخضار لا نجده في الساحل والجنوب، كما يختلف كسكسي فصل الصيف عن كسكسي فصل الشتاء.

إحصاء أكثر من 100 نوع من الكسكسي في تونس

وأفاد صولة بأن عملية بحث ميدانية في كل شبر من البلاد أجراها المعهد الوطني للتراث مكنت من إحصاء أكثر من 100 نوع من الكسكسي من حيث المادة الأساسية لإعداد حبات الكسكسي من قمح وشعير وحتى نبتة الدرع في الشمال الشرقي.

وتابع: "كما يختلف كسكسي الأفراح عن كسكسي الاحتفالات الموسمية في الزوايا ومقامات الأولياء الصالحين، وهو ما يسمى بـ-الزردة- ويعد بالبيض والحلوى، بينما في المأتم تختفي منه عدة مكونات تعبيرا عن الألم والحزن ليصبح الطعام لغة يعبر عن حال أصحابه".

يذكر أن اللجنة الدولية الحكومية لاتفاقية صون التراث الثقافي اللامادي التابعة لمنظمة اليونسكو أقرت خلال شهر ديسمبر الماضي تسجيل عنصر "الكسكسي: المعارف والمهارات والطقوس" في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي اللامادي للإنسانية على إثر تقديم ملف مشترك من قبل كل من الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا.

وأشار صولة إلى أنه من البديهي أن يتم تسجيل الكسكسي كعنصر مشترك مع كل البلدان المغاربية لأنه طبق أمازيغي أصيل وامتدت جذوره من ليبيا إلى موريتانيا وصولا إلى واحة سيوة المصرية.

واستشهد الباحث بالمثل القائل "إن المغرب الكبير يبدأ حيث يبدأ الكسكسي وينتهي حيث ينتهي".