في تمام الساعة الثامنة وعشرين دقيقة مساء بتوقيت المغرب، تتجه أنظار أكثر من 8 ملايين مغربي يوميا، نحو شاشة التلفزيون لمتابعة حلقات المسلسل الرمضاني "بنات العساس" (بنات الحارس)، الذي حطم أرقام المشاهدة خلال الموسم الرمضاني الحالي.
وكشفت مؤسسة "ماروك ميتري" لقياس نسبة المشاهدات على القنوات العامة في آخر تقرير أسبوعي لها، أن مسلسل " بنات العساس" حقق أزيد من 8 ملايين و750 ألف مشاهدة، مما يمثل حصة 52.4 في المائة من المشاهدات على القناة الأولى المغربية (عامة).
وتمكن المسلسل، من حصد إعجاب المشاهدين، على خلاف كثير من الإنتاجات الدرامية والكوميدية التي تعرض خلال شهر رمضان، التي وصفها المغاربة بـ"الحامضة"، وهو لفظ يطلق على الأعمال "الفارغة" فنيا، التي لا ترقى للتطلعات.
ورغم كل النجاح الذي حققه، لم يسلم هذا العمل الفني لمخرجه إدريس الروخ من انتقادات من قبل المشاهدين، بخصوص بعض الهفوات على مستوى السرد الدرامي.
قصة اجتماعية
وتتناول أحداث المسلسل الاجتماعي الدرامي "بنات العساس" واقع عائلة قادمة من البادية، اشتغل معيلها حارسا، والأم عاملة نظافة لدى عائلة "الصايري"، التي زجت بالأب ظلما في السجن، وطردت ابنتيه الاثنتين من المنزل ليلة وفاة والدتهن، وهي تضع أختهما الثالثة.
ووجدت كل من عائشة وحنان، اللتان أدت دورهما كل من الفنانة منى فتو ودنيا بوطازوت، نفسيهما أمام واقع جديد، يفرض عليهما تدبير أمريهما وتحمل مسؤولية أختهما الرضيعة، قبل أن يعينهما في ذلك طباخ عائلة "الصايري" الذي جسد دوره الفنان منصور بدري، بعد أن تزوج بالشقية الكبرى "عائشة"، وتتوالى بعد ذلك الأحداث.
وتتشارك منى فتى ودنيا بوطازوت بطولة المسلسل مع عدد من النجوم المغاربة، من ضمنهم عزيز الحطاب و سعاد خيي، كما ضم المسلسل أسماء صاعدة منها عبد الرحيم التميمي و كاميليا راك ومريم الكرع.
تركيبة النجاح
يعالج المسلسل عددا من القضايا داخل المجتمع المغربي، من بينها الهجرة القروية والتفكك الأسري و صراع الطبقات الاجتماعية والخيانة الزوجية والإدمان على المخدرات والكحول، علاوة على الإشارة إلى مخاطر إدمان الهواتف الذكية.
ويقول مخرج "بنات العساس" إدريس الروخ: " كنا نتوقع أن يفرض هذا العمل نفسه ضمن خريطة الأعمال الدرامية التلفزيونية في المغرب، لكننا لم نكن نتوقع كل هذا التفاعل وأرقام المشاهدة التي فاقت كل التوقعات".
وعن وصفة نجاح المسلسل، يقول المخرج في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، إن بناء أي عمل فني متماسك وناجح يتطلب مقومات أساسية، من بينها سيناريو قوي وشركة إنتاج محترفة، والاختيار الصائب للممثلين، بمن فيهم الوجوه الجديدة، بشكل يتناسب مع شخصيات وروح العمل.
ويشدد المتحدث على الدور الجوهري الذي لعبه سيناريو "بنات العساس" في نجاح العمل، إذ أعطى، وفقا له، قوة درامية وحبكة للعمل، وأولى عناية خاصة للتفاصيل الدقيقة لواقع المجتمع المغربي.
وكشف الروخ، أن صناع هذا المسلسل، قد راهنوا على موضوعات تنهل من صميم المجتمع والأسرة المغربية بجميع تقلباتها، لنقل الأحاسيس والانفعالات عن طريق التكوين الدرامي للشخصيات.
وكل هذه العوامل تمنح، بحسب المخرج، اختيارات جمالية على مستوى الصورة والتقنيات وحركة الكاميرا، مؤكدا على الحرص الكبير أثناء التصوير على اختيار فضاءات تتناسب مع أجواء فيروس كورونا من خلال الابتعاد عن التجمعات والأماكن المزدحمة، حتى يكون المسلسل أقرب إلى تفاصيل الحياة اليومية للمشاهد.
تصوير جزء آخر
وبالموازة مع النجاح الذي حققه الجزء الأول من "بنات العساس"، طالب العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فريق العمل بمواصلة تصوير جزء ثاني من المسلسل، فيما استبعد آخرون أن يحقق نفس الجماهرية التي حظي بها الجزء الحالي.
من جهته أكد مخرج المسلسل إدريس الروخ، أن الجهود منصبة حاليا على الجزء الأول فقط، مبرزا أن فريق العمل سيعمل في الوقت ذاته على استنباط أفكار من بعض "التيمات" التي يتناولها المسلسل من أجل توظيفها في أعمال أخرى..
ويشدد المخرج على أن هذا العمل الذي كتبت منه 30 حلقة فقط، يسعى لمحاكاة مواقف من صميم الواقع المغربي، ومشاهد أقرب للحقيقة، بهدف إثارة قاضيا، يمكن من خلالها استخلاص العبر، لمراجعة النفس وتصحيح الأخطاء.
رد على الانتقادات
وفي غمرة التفوق في السباق الرمضاني، لم يسلم المسلسل من بعض الانتقادات التي طالت خصوصا تشخيص أدوار من قبل ممثلات لا تتلاءم أعمارهن مع سن فتيات مراهقات، كما واجه هذا العمل موجة احتجاجات من قبل الممرضات على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن اعتبرن أنه يقدم الممرضة بصورة "تحط من كرامتها".
ردا على المنتقدين أكد الروخ، أن بطلتي المسلسل تملكان من التجربة مما يؤهلهما لتقمص أي شخصية، مشيرا إلى أن فترة المراهقة وهي فترة قدومهما من البادية جسدتها ممثلتان أصغر سنا، غير أن المرحلة الثانية وهي نضج الفتاتين تطلبت ظهور منى فتو ودنيا بوطازوت، للمرور بالمشاهد صوب المرحلة الثالثة من المسلسل، التي تعرض حاليا.
وأشار المخرج إلى أن ما اعتبر إساءة للممرضات لا يعدو سوى أن يكون تجسيدا لشخصية الطبيبة ندى أصغر بنات الحارس، التي تعاني من حالة نفسية جعلتها في بداية المسلسل "تستعر" من أختيها ومن كل الأشياء من حولها ولا تؤمن بالحب، وكان من الطبيعي أن "تستعر" من صدقتها الممرضة وفقا للبناء الدرامي.
نجاح دور "الطيب"
ولقى دور "الطيب" الذي جسده الممثل المغربي منصور بدري، نجاحا واسعا وسط متتبعي مسلسل "بنات العساس"، حيث خلق حدث وفاته في إحدى الحلقات تفاعلا كبيرا، وجدلا وصدمة بين المشاهدين.
ويقول الفنان منصور بدري، أنه كان يتوقع نجاح المسلسل بالنظر لتوفره على مجموعة من المقومات التي تسمح بذلك، غير أن التفاعل الكبير للمشاهدين مع شخصية الطيب التي يجسدها، كانت مفاجأة غير متوقعة بالنسبة له.
ويضيف بدري في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، أنه حرص على تأدية شخصية الطيب بحب وصدق، وهي شخصية الرجل الذي يتميز بالأخلاق العالية، ويمثل زوج الأحلام بالنسبة لكل فتاة وعائلتها، وتدعو حسب بدري إلى إعادة النظر في العلاقات داخل المجتمع.
ويقول الفنان المغربي أن نجاح دوره في المسلسل وباقي الأدوار الأخرى، "انعكاس طبيعي للمهنية العالية التي طبعت تصوير العمل الفني، والعلاقة القوية التي تجمع أفراد الطاقم، إضافة إلى قدرة المخرج على الإدارة الجدية للممثلين".