عشرون دقيقة من مشاهدة الفيلم الأميركي Box Bird إنتاج 2018، كانت كفيلة بأن تجعل من مصممة الملابس إنجي علاء، مؤلفة وكاتبة سيناريو وحوار، لمسلسل "كوفيد 25"، مثلما أعطت الحق للممثل يوسف الشريف أن يزعم أنه صاحب فكرة المسلسل، وبعدها يرقد الاثنان في سلام، من دون أن يطرف لهما جفن!
أي جرأة تلك؟ وكيف فات عليهما أن يتخيلا أن من الجائز أن تقود المصادفة أو الظروف، واحداً من "السينيفيل" (عاشقي السينما ومدمنيها)، إلى العثور على الفيلم الأميركي، الذي كتبه جوش مالرمان وأخرجته سوزان بيير، ومشاهدته، ومن ثم اكتشاف جريمة السطو؛ خصوصاً أنه من بطولة نجمين شهيرين هما ساندرا بولوك وجون مالكوفيتش؟!
لا مجال للشك أو التشكيك في حقيقة الجرم الذي ارتكباه يوسف الشريف وإنجي علاء، ومن خلفهما المخرج أحمد نادر جلال، والمنتج تامر مرسي، بإقدامهم جميعاً، على التغرير بالجمهور عن سبق إصرار وترصد، وارتكابهم هذه الجريمة، بضمير مستريح، حتى لو انبرى من يدافع عنهما بالقول إن الاقتباس انصب على الفكرة فقط؛ فالفكرة وحدها كافية لوضع حجر أساس العمل، وتدشين البناء الدرامي، وخلق شخصيات من لحم ودم.
وبسبب "طزاجة" الفكرة، سطر البعض أشكالاً وألواناً من الكلمات، التي بدوا خلالها، وهم يكيلون المديح للمُجدد المُبدع الذي يفاجئ الجميع كل عام بأفكار مغايرة تضخ دماء جديدة في شرايين الدراما العربية، من دون أن يتوقف واحد من الذين يرفعون القبعة من قبل عرض العمل، ليسألوا أنفسهم: "ما مصدره؟"
في الفيلم الأميركي (الذي صدر في 21 ديسمبر 2018، ومدته 124 دقيقة)، نُشاهد عشرين دقيقة من الإثارة والتشويق التي تتوقف فيها الأنفاس، بعد ما بثت نشرات الأخبار أنباء الحوادث، التي وقعت في أوروبا وسيبيريا، وراح ضحيتها العديد من القتلى، وسرعان ما جرى الحديث عن الحرب البيولوجية، التي تمثلت في كائنات غامضة أو ظواهر شيطانية، إذا ما نظرت إليها تجعلك مجنوناً أو تدفعك إلى إيذاء نفسك.
وهي نفسها الفكرة، التي قيل إن "الشريف" وزوجته، مصممة الملابس، "أبدعاها"، في مسلسل "كوفيد 25 "، الذي استثمر جائحة "كوفيد 19"، ليُعيد القول إنها نتاج مؤامرة خبيثة وخطة قذرة لشركات الدواء العالمية، وهي نظرية المؤامرة، التي يُشنها "الشريف"، في وجه الفيروس الجديد، الذي لا تُجدي معه الكمامة، وإنما كما الفيلم الأميركي، تُستخدم في مواجهته عصابة العيون.
لكنك تُدرك، منذ الوهلة الأولى، أن المسلسل محاولة رخيصة لاستثمار الفزع، الذي اجتاح العالم عقب ظهور جائحة "كوفيد 19"، الذي يدعي المسلسل أن "التركيب البنيوي لـ "كوفيد 25" قريب من "كوفيد 19"، رغم أنه وهمي تماماً، كما يكرس الوهم بأنه "لا توجد حالة تعافت منه بما يعني مبدئياً أن العلاج صعب، نظراً لاستحالة الاعتماد على استخلاص أجسام مضادة من أشخاص تعافت منه!"
تدور أحداث "كوفيد 25" في العام 2025، حول الجراح المتقاعد "ياسين" (يوسف الشريف)، الذي هجر الطب، منذ خمس سنوات، عقب عجزه عن إنقاذ ابنه، رغم أن لديه طفل وطفلة من طليقته الصحفية "منال" (أيتن عامر)، وتحوله إلى "يوتيوبر"، ينظر إليه الكثيرون بأنه مروج للشائعات، لكنه يرصد ظاهرة غريبة، وغير مسبوقة، في العالم؛ تتمثل في فيروس ينتقل إلى الآخرين بالنظر المباشر إلى العين، عن طريق الطاقة الكهرومغناطيسية، وهو ما يتطلب ارتداء النظارات الطبية وأقنعة الوجه بشكل مستمر للوقاية من انتقال الفيروس.
وبعكس فيروس "كوفيد 19" لا يستهدف الفيروس الجديد الرئة والصدر، وإنما يخترق المخ، وهي نفسها فكرة الفيلم الأميركي، الذي ينتمي إلى الخيال العلمي، ويتأكد هذا في المسلسل المصري، الذي يورد حواراً على لسان أعضاء منظمة الصحة العالمية، وأعضاء منظمة مكافحة الأمراض، والأوبئة، أنه "مفيش أي مرجع للكلام ده"، باستثناء بحث عن العلاقة بين الموجات الكهرومغناطيسية غير المرئية، التي تصدر عن أماكن في جسم الإنسان، وأكثرها حساسية العينين، وهو الحديث الذي يصفه أحد الأعضاء "بالخزعبلات"، ونراه كلاماً غير مسؤول، ودخول في منطقة محظورة؛ فالمطلوب عند التعرض لمثل هذه القضايا أن تكون الخلفية علمية بحتة، بدلاً من إثارة المزيد من الفزع، والهلع، كما حدث في المسلسل، الذي زعم أن "خمسة آلاف حالة أصيبت في اليومين الأولين للوباء .. وأكثر من 50 ألف حالة في العالم في أسبوع"!
العجيب أن "الشريف" اختار أن تدور الأحداث في العام 2025، ورغم هذا لا تجد إشارة واحدة على أن تغييراً طرأ على الواقع، باستثناء الاستعانة بجهاز دخول المنشئات الحيوية، الذي يتم عبوره باستخدام بصمة العين، وهو معمول به بالفعل في واقعنا، وهو فشل يُسأل عنه المخرج أحمد نادر جلال، ومهندس الديكور رامي دراج، ومدير التصوير حسام حبيب؛ فأنت لا تجد شذرات أو ومضات من أي نوع تعكس أننا بصدد عمل ينتمي إلى الخيال العلمي، وكلها ثرثرة حول نظريات وهمية وخزعبلات، حسبما وصفها المسلسل نفسه، وكأننا بصدد "بشر لبسهم الجن"، ومحاولة مكشوفة لإدانة منظمة الصحة العالمية، والشركات عابرة الجنسيات، التي تسيطر على العالم، ورمز إليها المسلسل بحروف WPG، وتربح من المتاجرة بعذابات البشر، حتى لو أدى الأمر إلى تصنيع اللقاح ثم تخليق الفيروس القاتل، وليس العكس!