يُطلق المغاربة في استعمالهم اليومي على الرقم تسعة لفظة "تسعود"، وذلك بخلاف باقي لهجات البلدان العربية، حيث يحتفظ الرقم، غالبا، بنفس طريقة النطق الموجودة في اللغة العربية.

ويشير الدراسون إلى أن طريقة النطق تلك، تخفي خلفها العديد من القصص والدلالات العميقة، خصوصا ما يتعلق منها بالتنظيم الزراعي المغربي التقليدي، والعادات المرتبطة به، وبعض المعتقدات القديمة المتصلة بالبركة، ما يجعل من شأن السفر في تلك الحكايات يكشف جوانبا مهمة في ثقافة المجتمع المغربي.

الضرائب الزراعية.. نظام غاية في الفرادة

بخلاف المعاني التي تحوم حول العدد "سبعة"، وبرغم احتفاظه بطريقة نطقه العربية في كل اللهجات العربية، بما فيها الدارجة المغربية، حيث يكاد يتقاسم معانيه مع معظم تمثلاث الحضارات الإنسانية، فإن العدد "تسعود" في الدارجة المغربية له علاقة مباشرة بطريقة جني المغاربة لمحصول الحبوب في البوادي المغربية، ثم تحديد نسبة الزكاة التي ينبغي إخراجها منه.

يسمي المغاربة زكاة الحبوب بـ"لْعشور"، وهي النسبة المقدرة في عشر المقدار الذي تم جنيه، حيث ينضبط الفلاح المغربي في هذا التحديد لمضمون الشريعة الإسلامية، فيتم تقسيم الكمية تلك إلى عشرة أقسام متساوية، من أجل تقديمها لذوي الحقوق الذين حددتهم النصوص الدينية تحت مسمى "مصارف الزكاة"، إذ يأخذون أو يأخذ الواحد منهم أحد هذه الأقسام العشرة.

غير أن التنظيم الزراعي التقليدي في المغرب، كان قد ابتكر ومنذ قرون طوال، حصصا أخرى في هذا المحصول، يقدمها المزارعون لمن يستحقونها، إذا وُجدوا، منها تقديم أربع أعشار إلى الشخص المسمى "الربّاع"، وهو العامل أو الأجير الزراعي الذي كان يعمل لدى صاحب الملكية الزراعية طوال السنة مقابل تلك الحصة، هذا إذا كانت الأرض بورا، أما إذا كانت الأرض مسقية فإن الحصص التي تذهب إلى هذا الشخص هي خمس حصص، ويسمى المستفيد في هذه الحالة "خماسّاً"، ومن أمثلة ذلك أيضا منح الحصة الثامنة من الأعشار المتساوية إلى الزوايا.

أخبار ذات صلة

جائحة كورونا قتلت "أبو الفنون" في المغرب
محام يقاضي مسلسلا مغربيا.. والشارع يقف في صف العمل

تسعة رهط

محمد المدلاوي، الباحث الأنثروبولوجي والمهتم بالأصول الثقافية للدارجة المغربية واللغة الأمازيغية، يقول في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "المغاربة حينما كانوا يقومون بعدِّ الأعشار المتساوية في البيدر، كانوا يستخدمون النطق العربي لتسميات الأعداد، لكن حينما يصلون إلى العدد تسعة، فإنهم ينطقونها "تسعود"، والسبب في ذلك بحسب المدلاوي يكمن في "التشاؤم من ذكر "تسعة" لأنها تحيل إلى "تسعة رهط" الذين تحدث عنهم النص القرآني".

وبخلاف التفاسير التي أوضحت أن القرآن يقصد بالرهط التسعة، تسعة أشخاص كانوا يحرضون أهل ثمود على عَقْر ناقة صالح، أسبغ المغاربة على الرهط التسعة دلالة مختلفة، فاعتقدوا في حكاياتهم الشعبية أنهم ثلاث مجموعات من الجن، كل مجموعة تضم ثلاثا منهم، وهم بحسب تعبير المدلاوي (ثلاثة هبّاشا، وثلاثة حفّـارا، وثلاثة طيّارا)، أي ثلاثة يعبثون بالمحصول كما تفعل الخنازير، وثلاثة يحفرون كالقوارض، وثلاثة يطيرون ويحطون فوقه.

وبالتالي فقد يحل هؤلاء "الرْهوط" التسعة، بحسب هذا المعتقد، في الفئران والطيور والخنازير وسائر الكائنات التي قد تتسبب في الضرر للمحصول الزراعي، ولذلك كان المزراعون يتجنبون ذكر كلمة "تسعة" في البيدر، لأنها تذكر بهذا المعتقد، فيقولون بدلا عنها "هادي د السعود" اختصارا للعبارة الدارجة "ديال السعود"، ما يعني أن هذه الحصة هي "صاحبة السعد وطاردة الشرور"، وهو التعبير الذي تطور مع مرور الوقت ليصبح "تسعود"، يضيف المدلاوي.

ويرتبط السعد والبركة ب"النادر" في البادية المغربية، خصوصا قبل اكتساح آلات الحصاد للحقول، حيث كان الحصاد الذي يبدؤه الحصادون بالتكبير، معتمدين على آلة المنجل التقليدي، ينتهي بتجميع السنابل التي تم حصدها في مربع منخفض، يتم تحديده وسط الحقل، ويتم تنقيته من الحجارة، ودك ترابه ثم غمره بالتبن والطين، كي لا يختلط التراب بحبوب القمح والشعير، أثناء دوسها بحوافر الدواب التي تمر فوقها لساعات في حركة دائرية، بحيث يتوسطها الشخص الذي يقود تلك الدواب.

والعملية التي تسمى "الدْراس"، تنتهي بعملية أخرى هي "التذرية"، وذلك برفع حاصل العملية الأولى في الهواء، قسما فقسما، حتى يتم تخليص الحبوب ومن التبن والقشور، ليتحولا إلى "نادر التبن"، وهو كثلة تشبه الجبل التِّبني يتم رصها في مكان محدد ضمن الحقل، فيما يباشر المزارعون عملية العد وتقسيم محصول الحبوب، بالقول "واحد الله"، "جوج لا شريك له"، لافتتاح العد بعبارات من شأنها أن تجلب الخير والبركة والسعد، وتمكن من طرد النحس والشر والضرر.

فبالنسبة للمجتمع المغربي الزراعي تقوم نظم العدّ والحساب بتقديم خدمة التنظيم الضريبي، ومن ناحية ثانية تخفي مفرداتها وراءها نظاما من الطقوس والمعتقدات، وتحتل البركة والسعد مكانة جوهرية ضمنها، بقدر ما تعنيه “النَّعما” (النعمة) التي يتمخض عنها جهد المزارعين لشهور طويلة، وهي النعمة التي من شأنها أن تقي الناس شر المجاعات والأوبئة، التي كانت تأتي في الماضي دون سابق إنذار.