بارتياح كبير استقبل المغاربة قرار إعفاءهم من تقديم شهادة الحياة، التي لا طالما تساءلوا عن جدواها في بعض المعاملات الإدارية، خاصة أن الحصول عليها كان يتطلب، في بعض الأحيان، حضور أكثر من شاهد لإثبات أن الشخص المعني، حي يرزق.
وتفيد هذه الشهادة بأن صاحبها على قيد الحياة، وغالبا ما تطلب من قبل صناديق التقاعد، أو من إدارات عمومية أخرى، أو سلطات أجنبية كشرط للحصول على الخدمة المطلوبة. وتسلم هذه الشهادة من طرف المصلحة الجماعية المكلفة بالشواهد الإدارية.
وضمن التعليقات الكثيرة التي تفاعل من خلالها المغاربة مع القرار الجديد، كتبت الناشطة الحقوقية سارة سوجار "الحمد لله أنهم حذفوا شهادة الحياة، التي لم أفهم قط الفائدة منها"، مضيفة "أنت حي وتذهب للإدارة كي يخبروك بأنك حي".
ويأتي حذف شهادة الحياة في إطار قانون، غير مسبوق، يتعلق بتبسيط الإجراءات الإدارية، وخلق علاقة جديدة بين الإدارة والمواطنين تقوم على "الثقة" و"الشفافية"، من أجل تجاوز عقود من العلاقة المتوترة بين الطرفين.
ويشتكي المواطنون أساسا من كثرة الوثائق والشواهد التي تطلبها الإدارة، و"تماطل" الأخيرة في إنهاء المعاملات.
خطوة كبيرة
ويعتبر عبد الحفيظ أدمينو أستاذ القانون الإداري بجامعة محمد الخامس بالرباط أن القانون 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، يعتبر من أهم التشريعات التي كانت مطلوبة منذ وضع أجندة إصلاح الإدارة العمومية مباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال. وهي الأجندة التي شابتها، وفقا له، مجموعة من "التعقيدات والأعطاب" طيلة عقود.
وفي تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، يعتبر الجامعي المغربي أن الرغبة في وضع إطار تشريعي لتطوير الحكامة الإدارية، عززها دستور 2011 الذي نص على ضمان حقوق المرتفق، ويرى أن هذا القانون جاء ليتجاوز الأعطاب التي طالت الإدارة العمومية وينهي مع تعقيد الإجراءات والمساطر التي كانت ترهق المواطن المغربي.
وبحسب نص القانون الذي دخل حيز التنفيذ قبل أسابيع قليلة، فإن التشريع الجديد يهدف إلى تأطير المساطر والإجراءات الإدارية مع إجبارية الرد على طلبات المرتفقين في آجال قصوى، وإرساء الحق في تقديم الطعن الإداري في حالتي سكوت الإدارة أوردها السلبي على الطلبات، واعتماد الرقمنة كآلية لتبسيط المساطر والإجراءات المتعلقة بالقرارات الإدارية.
وعل صعيد آخر، يرى أدمينو أن رقمنة الإدارة العمومية ساهمت بشكل كبير في التسريع بإنزال هذا القانون الذي من شأنه، أيضا، أن يسهم في تحسين مناخ الاستثمار بالمغرب، حيث كان المستثمر يعاني من تعقيدات إدارية جمة، تعيق في كثير من الأحيان، إطلاق المشروع.
بوابة وطنية
وفي إطار القانون الجديد، أطلقت الحكومة هذا الأسبوع بوابة وطنية تهدف إلى توحيد المرجعية والمعايير ومختلف الشروط التي تضعها الإدارات العمومية.
وتوضح إكرام حمي رئيسة قسم تبسيط المساطر ودعم الأخلاقيات بقطاع إصلاح الإدارة بوزارة المالية، أن بوابة "إدارتي" تطمح إلى إرساء الشفافية بين الإدارة والمرتفق، حيث تضم حاليا 700 مسطرة إدارية دونتها بشكل مشترك مختلف الإدارات العمومية وفق نموذج موحد، في أفق إتمام تدوين باقي المساطر وعددها يتجاوز 2000 مسطرة.
وفي تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" تؤكد المسؤولة الوزارية أن هذه المساطر باتت هي المرجع الوحيد والرسمي، مما يعني أن الإدارة العمومية لن يسمح لها بعد الآن، بمطالبة المرتفق بتقديم وثائق إضافية غير تلك الموجودة على البوابة.
كما أصبحت الإدارات والجماعات المحلية مطالبة بدراسة الملفات والرد عليها في آجل محددة.
غياب السند القانوني
وبحسب ما ورد في البوابة الإلكترونية "إدارتي" فإن المرتفق لم يعد مطالبا بتقديم أكثر من نسخة عن الشواهد والوثائق المطلوبة، أو القيام بتصحيح التوقيع، وهو إجراء يتطلب الوقوف في طابور طويل، كما لم يعد المواطن مطالبا بتوفير عدد من الشواهد مثل شهادة الحياة وعدم الزواج والطلاق والإراثة.
وتوضح رئيسة قسم تبسيط المساطر ودعم الأخلاقيات بقطاع إصلاح الإدارة بوزارة المالية، أن هذه الوثائق لم تكن تتوفر "على سند قانوني" وبالتالي كان من الواجب حذفها.
وفي السياق تشير المتحدثة إلى أن الإدارات العمومية المغربية كانت تعمل بمبدأ "الاجتهاد"، إذ نجد أن الوثائق التي تطلبها الإدارة في جهة معينة، تختلف عن تلك التي تطلبها نظيرتها في جهة أخرى.
ومن جانبه، يؤكد عبد الحفيظ ادمينو أستاذ القانون الإداري أن الإدارات في المغرب كانت تتمتع بـ"سلطة تقديرية" لتحديد الوثائق المطلوبة كشرط أساسي للاستفادة من الخدمة.
مسؤولية مشتركة
وقد تم تعويض الشواهد المحذوفة، بتصريح بالشرف يقدمه المرتفق، ويقر من خلاله بأن المعطيات والبيانات التي يقدمها للإدارة، مقابل الاستفادة من خدمة معينة، هي معطيات صحيحة وموثوقة.
وفي ردها على سؤال يتعلق بكيفية التعامل مع حالات الكذب والتزوير الممكنة، تؤكد إكرام حمي المسؤولة بقسم تحديث الإدارة بوزارة المالية، أن الحكومة تراهن على الشفافية في العلاقة بين المرتفق والإدارة، لكن "باب الردع يظل مفتوحا" أمام حالات التصريح الكاذب، إذ ستعمل كل إدارة على وضع آليات للتحقق من التصاريح التي تتوصل بها ومن حقها اللجوء إلى القضاء في حال ثبوت تقديم تصريح كاذب، كأن يكون المرتفق عاطلا عن العمل ويتقدم بتصريح يقر فيه بأنه يعمل.