بعد إغلاق دام لنحو خمس سنوات، عاد ضريح الإمام الشافعي لاستقبال زواره من جديد؛ إذ اعتاد المصريون المجيئ إلى الضريح لبث شكواهم، في طقس شعبي متعارف عليه، بحي الخليفة جنوب شرقي العاصمة المصرية.
وافتتح وزير السياحة والآثار المصري، الدكتور خالد العناني، الأحد، مشروع ترميم ضريح وقبة الإمام الشافعي بحضور الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، خالد عبد العال، محافظ القاهرة، جوناثان كوهين، السفير الأميركي بالقاهرة، والدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية المصرية السابق.
ويقع الضريح في قلب قرافة الإمام الشافعي، بالقرب من ميدان السيدة عائشة وسط القاهرة، أعلى قبر محمد بن إدريس الشافعي، ثالث أئمة المذاهب السنية الأربعة للفقه الإسلامي.
وبالرغم من أن الشافعي لم يقض سوى أربع سنوات فقط في مصر، إلا أن بعد وفاته ودفنه في مصر عام 820م، في مقبرة عائلة عبد الله بن عبد الحكم، أحاط قبره قدسية وأصبح محطة هامة في مسارات الزيارة الدينية.
شعبية قبر الإمام الشافعي امتدت إلى الحكام أيضًا؛ حيث شملوه برعايتهم، بداية من صلاح الدين الأيوبي إلى الخديو توفيق، وينسب الضريح الحالي إلى السلطان الأيوبي الكامل محمد الذي شيده مكان ضريح فاطمي سابق بعد دفن والدته هناك عام 1211 م.
جهود الترميم
من حالة متداعية وهبوط أرضي، شُفي الضريح أخيرًا مما أصابه، واكتسى بحلة جديدة؛ حيث أصبح بمقدور الزائر أن يرى فيها زخارف الفن الإسلامي المبهرة، التي طمست تحت طبقات متراكمة من الإهمال.
وفي هذا الصدد، تقول الدكتورة مي الأبراشي، المهندسة المعمارية، منسقة مبادرة "الأثر لنا" المسؤولة عن تنفيذ الترميم، إن المشروع بدأ في نهاية عام 2016 بتنفيذ مكتب مجاورة، تحت إطار مبادرة "الأثر لنا" وبتمويل من صندوق السفراء الأميركي للحفاظ على التراث، وتحت إشراف وزارة السياحة والآثار.
وتُشير الإبراشي في حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية" إلى المصاعب التي واجهت فريق الترميم في بداية العمل، فتقول: "واجهتنا عديد من المشاكل؛ أبرزها المياه الجوفية التي تسببت في هبوط أرضية الضريح، إضافة إلى الرطوبة الموجودة في جدرانه".
وعلى مدار السنوات الخمسة الماضية، عمل فريق مبادرة "الأثر لنا" على ترميم الضريح والقبة الخارجية؛ إذ شملت أعمال الترميم الخارجية ترميم الجص المزخرف، فيما تضمنت الأعمال الداخلية ترميم الأخشاب الملونة، والتكسيات الرخامية الملونة ذلك بالإضافة إلى الإصلاحات الإنشائية للمباني، وأعمال ترميم الأسقف والتبليط.
كما اُجريت مجموعة من أعمال الترميم الخاصة مثل ترميم التوابيت الخشبية والمقصورات والتكسيات الرصاص، والعشاري. كما تضمنت أعمال الحفائر وتحديث نظام الإنارة وإضافة لوح توضيحية، وتضمن المشروع أيضًا توثيقًا شاملاً للمبنى وتفاصيله الزخرفية.
ضريح قديم
وتكشف الإبراشي لموقع "سكاي نيوز عربية" كواليس العثور على ضريح قديم أثناء أعمال الترميم، قائلة: "أثناء معالجة مشكلة الهبوط الأرضي قمنا بعملية إحلال تربة تستدعي إزالة متر من الأرضية القديمة، أثناء ذلك اكتشفنا بقايا ضريح أقدم للإمام الشافعي يعود للعصر الفاطمي، إضافة إلى العثور على ألف قطعة من العناصر المزخرفة".
وتوضح: "الضريح القديم -المكتشف أثناء الترميم- دفن فيه الإمام الشافعي، ولا توجد أي إشارات في المراجع التاريخية عنه، لكن ما نعرفه أن الشافعي دفن في البداية في مقبرة عائلة ابن عبد الحكم، وتحول المدفن إلى مزار بعد دفن الشافعي فيه، ويدل طراز الضريح القديم أنه يعود إلى العصر الفاطمي أي منتصف القرن الثاني عشر الميلادي".
مركز للزوار
وتلفت الإبراشي إلى أن هناك مرحلة أعمال جديدة، سيتم خلالها إنشاء مركز زوار ملحق بالقبة، لعرض المكتشفات وسرد قصة القبة ومحيطها بأسلوب تفاعلي شيق.
وتشمل المكتشفات العلمية والأثرية التي عثر عليها خلال الخمس سنوات، حوالي ألف قطعة جصية مزخرفة. كما كشفت أعمال الحفائر عن بقايا قبة فاطمية لم تذكر من قبل في المصادر التاريخية، إلى جانب العثور على شرائط كتابية خلف عناصر معمارية أحدث.
واختتمت المعمارية المصرية حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية" بالإشارة إلى أحد الاكتشافات المهمة التي عثر عليها فريقها أثناء الترميم، إذ عثروا على نصين تأسيسيين، أولهما موجود على الواجهة الشرقية، وهو بداية النص الموجود على الواجهة الأصلية للقبة، وهو عبارة عن جملة (بسم الله الرحمن الرحيم)، وفي الجهة المقابلة اكتشفوا نص آخر يذكر فيه اسم الملك كامل محمد، ويوجد أعلاه طبقة من الطلاء تعود إلى العصر العثماني لشخص رمم الضريح".
تجدر الإشارة إلى أن القبة الخشبية الشامخة أعلى ضريح الإمام الشافعي هي الأكبر في مصر، ويبلغ قطرها نحو 17 مترًا، ويعد الضريح واحدًا من المباني الأيوبية القليلة المتبقية ويتضمن أمثلة نادرة للزخارف الجصية والأعمال الخشبية المزخرفة بتكوينات بديعة من الخشب الملون بأنماط عثمانية مميزة.