تهب الرياح، فتصدر من الجبل الشاهق أصوات كأنها صراخ ملاك يكلم الصحراء بلغة الجان الساكن في قلب الكهف الرهيب، أو ما يسميه السكان "كاف الجنون"، وهو جبل في الجنوب الغربي الليبي لا تنتهي أساطيره المخيفة حتى في القرن 21.
والكاف في اللهجة الليبية تعني الجبل، وهو غريب في هيكله الأسطوري، صخر يتداخل في نتوءاته مع هامه المرتفع، وثقوب واسعة يجلل أطرافها السواد واللون البني، كأنه لحية نبتت من شعر الزمان. أسطورته يكتبها كل من اقترب منه بطريقته الخاصة.
الباحث التاريخي، المهدي موسى، يروي أن الجبل له عدة أسماء، منها كهف الأمان، وكهف الجنون، وكهف إندينان أو كهف إدنان، ولكن البعثات العلمية أطلقت عليه اسم كهف الأمان خلاف للأساطير المخيفة التي قيلت حوله وجلجلت القلوب.
أما عن أصل الأسامي الأخرى، فيقول موسى، لـسكاي نيوز عربية، إن اسم جبل إدنان تسمية تارقية- أي لغة الطوارق- فإدنان هو اسم من أسماء الجن لدى قبائل الطوارق، ويقولون إن الجبل هو مملكة الجن في الارض، ولا تنتهي الأساطير حولها، قديمة وجديدة.
رسوم قبل التاريخ
ويقع الجبل في منطقة أكاكوس في الجنوب الغربي لليبيا قرب الحدود مع الجزائر، تعلو جبالها رسوم حفرت في مواقع مختلفة على الجبال، ويقول مؤرخو عصر ما قبل التاريخ إنها كانت أرض حضارة وزراعة، ويستدلُّون على ذلك بالرسومات التي تتعدد فيها الحيوانات والنشاطات الإنسانية، وصنفتها منظمة اليونيسكو جزءاً من التراث الإنساني.
وبحسب موسى، فإن ارتفاع الجبل يبدأ من 900 إلى 1200، ومنها ارتفاعات متدرجة، وهو جبل رسوبي، ويبعد 15 كيلو متر من أقرب طريق مأهول، ويجب المرور عن طريق وعر قد يأخذ ساعتين حتى الوصول للجبل، ويشابه الجبل في الجنوب وجنوبه وغربه، حيث يوجد على كل حجران تشابهان إنسان واقف، وفي الشمال يوجد مغارات لا تتواجد في أي ناحية أخرى.
وبالجبل فتحة تخترق أشعة الشمس وقت الغروب لا يلاحظها الا الخبراء.
أصوات وكائنات تظهر وتختفي
يردد أهالي المنطقة في مدينة غات، حكايات عبر الزمان لا يقبلون التشكيك فيها عن أحداث متكررة يختلط فيها الكلام والحركة عن كائنات تعيش في المملكة الصخريةـ يحكمها الملك المقيم في القصر الأعلى (كاف الجنون)، الذي ما ارتقى إليه بشر إلا وغاب ولم يعد، وهناك من يقول إنه قابل شخصا، وتحدث إليه ثم اختفى فجأة.
ويقول الباحث التاريخي: "من الروايات المتداولة أن شخصا كان يذهب كل مساء ناحية جنوب الجبل، ليستمتع بمنظر الصحراء والهدوء، ولكنه ذات مرة سمع أصوات مباراة كرة قدم، الصوت كانت خافتا في البداية ثم بدء يعلو ويعلو حتى وصل إليه الصوت، فخاف وهرع ورجع إلى غات، وحصلت له رعشة شديدة وقص على الناس رواية أنه سمع الجن يلعبون الكرة".
وكذلك "رواية أخرى أن عائلة وقفت لتصليح إطار سيارة قرب الجبل، فأحد الأولاد رأى سيارة وقفت ونزل منها شخص أعطى له خبزة، فأخذها الولد وذهب إلى أبيه فقال له: من أعطى لك هذه الخبزة، رد الولد: الرجل الذي نزل من السيارة أعطاها لي. ولكن الأسرة لم تشاهد أي سيارة أو شخص، وأكل الأب من الخبزة، ولما عاد إلى منزله شعر بأنه أكل شيء غير طبيعي، وظل مريضا 6 أيام، حتى ذهب إلى شيوخ لعلاجه".
صوت لا يسكت أبدا
أما عن الأصوات التي تصدر من قمة الجبل، فإنها لا تسكت أبدا، ترتفع أحيانا حتى تملأ المنطقة كلها، وقد تنخفض، لكنها لا تصمت أبدا.
واجتهد الكثيرون لتفسير هذه الظاهرة، فمنهم من فسرها بأن الرياح تخترق الفتحات متعددة الأحجام في جسد الجبل؛ فتشكل جوقة صوتية مختلفة الطبقات يحسبها الناس أصواتا صادرة من أفواه زمرة الجان التي تعيش داخل الكهف الحجري، وتصدر أوامرها إلى رعاياها الذين يسكنون في بيوت الصخر المنتشرة في امتداد أرضه.