هي "للنساء فقط"، وهي "توثيق للحياة اليومية"، و"تضم السلم الموسيقى كاملا"، و "مخزن المشاعر السعيدة والحزينة".. هي إن عزفها الرجال قد تجلب "الخراب" كما تظن القبيلة، هي آلة الإمزاد المشهور بها قبائل الطوارق في الصحراء الكبرى.
الباحثة في تاريخ التراث التارقي، ماجدة دقة، تشرح آلة الإمزاد أو الربابة الصحراوية، بأنها آلة معروفة عند طوارق الصحراء بشكل خاص، ويكاد لا يخلو منها أي بيت تارقي، وهي منذ قديم الزمان تعتبر مثل الربابة في المشرق العربي، وأداة الشاعر أو المغني للتعبير عن المشاعر وتوثيق الأحداث اليومية.
وعن سبب التسمية تقول الباحثة، لـ"سكاي نيوز عربية"، أن الطوارق يسمون هذه الآلة بالإمزاد نسبة إلى الشعرة التي تمد على العود والتي عادة ما تكون طويلة بعض الشيء.
وعن الفرق بينها وبين آلة الربابة المشهورة في المشرق، تقول إن الربابة غالبا ما توثق حياة القبيلة، ويستخدمها شاعر القبيلة وهو غالبا رجل، ولكن الوضع عند الطوارق مختلف لأن هذه الآلة تختص بها النساء فقط، وكل من عنده شجن يذهب لعازفة الإمزاد، وهي من تختار الكلمات واللحن، ولا يمكن للرجال استعمالها، بل هي الآلة التي تعزف بها المرأة "التارقية" الموسيقى للرجل، وغالبا ما تُعزف الموسيقى في الظلام.
لماذا يخافها الرجال؟
ولأن الأساطير حاضرة بقوة في المجتمع "التارقي"، حيث تقول واحدة منها "بأن الرجل إذا عزف بهذه الآلة فإنه سيأتي الخراب على العشائر والقبائل، ويعم الحزن على الناس"، ومن هنا "حُرِّمت" "الإمْزاد" على الرجل التارقي.
وحول طريقة صنعها، تشرح "تصنع الربابة من قشرة القرع أو ما نسميه القرع الأحمر الكبير، أو آنية خشبية تم نحتها من اي نوع من أنواع الخشب الجيدة المعمرة التي تكتسب صلابة بمرور الوقت، ثم يشد عليها نوع من الجلود ويشد عليها وتر واحد ويكون لها ثقبين أو أربع ثقوب، ويجب أن يكون الرقم زوجي، والهدف من الثقوب نقل الصوت داخل الوعاء الخشبي، وبالتالي تعطيه نغمة معينة أو صوت يخرجه العازف في مستوى صوت لا يؤذي المستمع ويمس مشاعره".
وتطلب صناعة آلة الامزاد سبعة أيام من العمل، إذ يشد جلد غزال أو ماعز على نصف ثمرة القرع ويثقب على طرفيه، ثم يزين الجلد برسوم مميزة وألوان طبيعية.
والمثير في الأمر- بحسب ماجدة دقة- أن الوتر الوحيد الموجود في الآلة يصدر 7 أصوات تمثل السلم الموسيقى كاملا، من خلال حركة يد العازف ومسكة الذراع وشكل القوس.
وعلى الإمزاد تصدح أغاني الفرح والبشرى، وأغاني الحزن الشديد كالفقد والنحيب، وغالبا ما يصاحب العازفة رجل يلقي الشعر وتقوم العازفة بتلحينه، وغالبا ما يكون هذا الشعر ارتجالي وهو يضطر العازفة إلى ارتجال أيضا.
"الإمْزاد" لدى الطوارق ليست مجرد أداة موسيقية، بل هي آلة لموسيقى مخصصة لنظام اجتماعي له عاداته وتقاليده الضاربة في أعماق الحضارة الإنسانية، خاصة أن الغناء والموسيقى عند الطوراق "كالأكل والشرب"، لا يستغنون عنه ولا يقلعون عنه، فالتارقي يغني في بيته، وفي طريقه لجلب الماء، ولسقي الحيوانات، وفي صحرائه، وهو يمتطي جمله، يتغنى ليطرد الملل والنعاس في ليالي الصيف الرطبة، حيث يحلو لهم السير بعد يوم من الحر القائظ".
وتنتشر الإمزاد من جنوب ليبيا إلى جبال الهقار والطاسيلي في الجزائر حتى مرتفعات النيجر ومالي المجاورتين، ورافقت الإمزاد طيلة قرون قبائل الطوارق حيث تشكل المرأة ركيزة المجتمع.
وهذه الآلة أدرجتها منظمة اليونيسكو، مع الموسيقى التارقية، سنة 1982 ضمن التراث الثقافي العالمي.
والطوارق قبائل تنتشر في الصحراء الكبرى وغرب أفريقيا منذ زمن بعيد، يرجعه البعض لما قبل الفتح الإسلامي، واشتهرت في القرون الأولى للفتح باسم "الملثمين"- لأنهم يلثمون وجوههم ولا يظهر منهم إلا العينان- وباسم المرابطين، ويتكلمون لغة خاصة بهم، ويُحسبون من "الأمازيغ".