من المتحف المصري بميدان التحرير، إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، قطعت 22 عربة تحمل مومياوات ملوك مصر القدامى الطريق الواصلة بين المتحفين، لتأخذ معها الوهج الملكي إلى مستقره الجديد بالمتحف القومي للحضارة، والذي أصبح حديث الساعة في مصر.
وتعود قصة إنشاء هذا المتحف إلى نحو 40 عاما، وبالتحديد عام 1983، عندما أعلنت السلطات المصرية بالتعاون مع منظمة اليونسكو عن مسابقة، الغرض منها اختيار تصميم المتحف القومي للحضارة من بين 65 متسابقا.
الجائزة الأولى
يحكي أستاذ العمارة بكلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، الدكتور الغزالي كسيبة، وهو صاحب التصميم الفائز حينها، القصة من بدايتها بعد اختيار تصميمه من قبل لجنة تحكيم تضم صفوة من الأثريين والمعماريين حول العالم، من بينهم رئيس هيئة الآثار المصرية حينها الدكتور أحمد قدري، ومدير جامعة المكسيك الدكتور بيدرو راميرز فاسكس.
ويقول كسيبة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن مسابقة اختيار التصميم مرت بثلاث مراحل، إلى أن أعلنت النتيجة في عام 1985، وعددت اللجنة في 14 نقطة مميزات مشروع كسيبة الذي حصد الجائزة الأولى، جاء من بينها: التكامل بين المشروع والبيئة المحيطة به، والاهتمام بكافة التفاصيل المعمارية التي تخدم الجمهور والسيارات، وتوفر المساحات الخضراء.
تعثر المشروع
ويتابع المهندس المصري: "عام 1989، بعد مضي 4 سنوات من اختيار المشروع، تم تجهيز مستندات طرح المشروع على المقاولين، لكنه توقف بسبب تغيير موقعه؛ إذ كان يقع حينها بمنطقة الجزيرة بجوار دار الأوبرا حاليا".
ويوضح كسيبة أسباب تغيير موقع المشروع، لافتا إلى أن حينها الوزير فاروق حسني، "رأى أن المكان أصبح مزدحما، خاصة مع بدء تشييد دار الأوبرا في موقعها الحالي"، واستمرت مدة البحث عن أرض جديدة 10 سنوات.
"في عام 1999 اختار فاروق حسني أرض المتحف الجديدة في منطقة الفسطاط، باعتبارها المدينة العربية الأولى، بما فيها من حفريات وآثار".
تطوير التصميم
في أعقاب اختيار أرض المشروع، عكف كسيبة على تطوير التصميم حتى يلائم الموقع الجديد، وبعد انقضاء 3 سنوات من عام 1999 اكتملت جهود المهندس المصري عام 2002، بعد الأخذ بمقترحات اليونسكو في الحسبان، لتبدأ الأعمال الإنشائية في الموقع عام 2004.
وبحسب كسيبة، فقد استمر العمل في المرحلة الأولى خمس سنوات، حتى اكتملت هذه المرحلة عام 2009، والتي اشتملت على الأساسات الإنشائية من مبانٍ وخرسانة، أما المرحلتين الثانية والثالثة، اشتملتا على عمليات التشطيب والتنسيق المتحفي.
ويشير المصمم المصري إلى أنه تم الانتهاء من المرحلة الثانية، بينما افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي جزءا من المرحلة الثالثة مؤخرا؛ أثناء حفل نقل المومياوات الملكية.
ليس متحفا أثريا
ويشدد كسيبة على أن المتحف القومي للحضارة "ليس متحفا أثريا مثل المتحف المصري، والمتحف الكبير، لكنه متحف يعتمد على تقنيات الوسائط المتعددة الجديدة، لا تكون فيه القطع الأثرية هي البطل، لكنها فقط تكون شاهدة على حكايات إبداع العقل المصري، بطرق عرض ومحاكاة حديثة".
وعن القاعة المفتوحة حاليا للجمهور، يؤكد المهندس المصري أنها القاعة المركزية، وتستعرض تاريخ مصر في كل الحقب التاريخية بداية من التاريخ القديم، حتى عهد الدولة الحديثة.
قاعات متعددة
ويوضح المهندس المصري أنه من خلال القاعة المركزية المفتتحة حاليا، يمكن للزائر أن يدلف إلى عدد من القاعات -لم تفتتح بعد-، منها قاعة المومياوات التي من المزمع افتتاحها خلال أيام، وسوف تقدم عروض بتقنية الهولوغرام لعملية اكتشاف خبيئة المومياوات الملكية، وكذلك استعراض تفاصيل عملية التحنيط في مصر القديمة.
قاعة أخرى مهمة يشير إليها كسيبة، هي قاعة النيل، التي تستعرض كل ما يخص النهر الخالد؛ وكيف شكّل الحضارة المصرية، بما فيها شكل الدلتا قديما؛ إضافة إلى الزراعة وأدواتها، والسدود.
يوجد قاعات أخرى داخل المتحف القومي للحضارة سوف يتم افتتاحها لاحقا تناقش الموضوعات الرئيسية في الحضارة المصرية القديمة، مثل: قاعة الكتابة، وقاعة الدولة والمجتمع، قاعة الثقافة المادية، وقاعة فجر التاريخ، وقاعة المعتقدات الدينية.
كما تناقش القاعات الأخرى، الطب، والمرأة، الموسيقى، العمارة، الحياة اليومية في مصر القديمة، وتشمل نظم العرض مجسمات مادية وتخيلية، وكذلك عروض بصرية وسمعية، إلى جانب أحدث نظم العرض التقنية، مثل الهولوغرام.
في نهاية حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، يلفت المصمم المصري إلى أن فلسفة تصميم المتحف "تستلهم روح التاريخ المصري الممتد بأكمله".
ويوضح أنه قرر أن يكون التصميم حديثا في شكله، لكنه في نفس الوقت استعار عناصر معمارية من التاريخ المصري القديم، دون أن يتم نقلها بشكل صريح.
ويتابع: "يمكننا القول إن التصميم اعتمد على البساطة والصراحة وخامات مستمدة من أرض مصر"، منوها إلى أن التصميم في النهاية "اعتمد على خلاصة أسلوب البناء المصري القديم، دون أن يتم نقل الأسلوب كما هو".