"اكتشاف رائع، سيساعدنا في تعلم الكثير عن التكنولوجيا التي استخدمها المصريون قبل 3 آلاف سنة، وكيف كانوا يصنعون الأشياء".. بهذه التصريحات، علقت أستاذة علم المصريات بالجامعة الأميركية، سليمة إكرام، على اكتشاف مدينة "صعود آتون" بمحافظة الأقصر المصرية.
وليس هذا كل شيء، فالمدينة التي تحمل اسم الإله "آتون"، الذي عبده حاكم مصر الشهير إخناتون، وتسبب هذا في خلاف شديد بينه وبين بعض رجال الدين حينها، قد تغير فهمنا للتاريخ ومتى بدأت عبادة "آتون"، لأن المدينة تم إنشاؤها في عهد أمنحتب الثالث، والد إخناتون.
وتقول عالمة المصريات، المتخصصة في التحنيط، إن اكتشاف المدينة المفقودة تحت الرمال التي كانت تسمى "صعود آتون"، وأعلنت مصر عنها الأسبوع الماضي، هو حدث مهم للغاية.
وتوضح لموقع "سكاي نيوز عربية": "سبب هذه الأهمية يكمن في أن الموقع تم الحفاظ عليه بشكل رائع، ويوجد به الكثير من التشكيلات الاسثنائية من الطوب اللبن، ويوجد في مصر عدد قليل جدا من المستوطنات، لذلك فهو هذا شيء مميز حقا".
ومقصود بالمستوطنات هنا، مناطق سكنية لعمال وموظفين متخصصين في إنجاز مشاريع أو أنشطة، غالبا ما تتبع مشاريع الدولة الكبرى.
"كيف كانت تُصنع الأشياء؟"
وعما في داخل المدينة، قالت عالمة المصريات إنه يمكن أن نرى علامات داخل الجدران التي تقسم المنطقة إلى قطاعات، ويمكن أيضا رؤية الكثير من الأنشطة المختلفة في كل مكان، لافتة إلى أن هذه الاكتشافات تساعد في تعلم الكثير عن التكنولوجيا التي استخدمها قدماء المصريين، وكيف كانت تصنع الأشياء وقتها، وجودة المواد التي تم استخدامها مثل زجاج والمصنوعات الأثرية والقوالب الاستثنائية التي تركوها بالمدينة.
وعن تاريخ تأسيس "صعود آتون" قالت إنه أسسها أحد أعظم حكام مصر، وهو الملك أمنحتب الثالث، الملك التاسع من الأسرة الثامنة عشرة، الذي حكم مصر من عام 1391 حتى 1353 ق.م. وشاركه ابنه ووريث العرش أمنحتب الرابع "أخناتون" آخر ثماني سنوات من عهده.
واكتشفت بعثة مصرية برئاسة الدكتور زاهي حواس المدينة المفقودة تحت الرمال، سماها المصريون القدماء "صعود آتون"، وبحسب البعثة فإن استخدام المدينة استمر حتى عهد توت عنخ آمون، أي منذ 3 آلاف عام.
وبحسب حواس في البيان الصادر عن البعثة الخميس الماضي، فإن العمل بدأ في هذه المنطقة للبحث عن المعبد الجنائزي الخاص بتوت عنخ آمون، لأنه تم العثور من قبل على معبدي كل من "حور محب" و"آ ي"- اللذين تلياه في الحكم مباشرة.
والمدينة هي أكبر مستوطنة إدارية وصناعية في عصر الإمبراطورية المصرية على الضفة الغربية للأقصر، وبها منازل يصل ارتفاع بعض جدرانها إلى نحو ثلاثة أمتار ومقسمة إلى شوارع.
"كما لو كانت بالأمس"
وبدأت أعمال التنقيب بعثة مشتركة من مركز زاهي حواس لعلوم المصريات، بمكتبة الإسكندرية ووزارة السياحة والآثار المصرية، سبتمبر 2020. وفي غضون أسابيع، بدأت تشكيلات من الطوب اللبن بالظهور في جميع الاتجاهات، وكانت دهشة البعثة الكبيرة، حينما اكتشفت أن الموقع هو مدينة كبيرة في حالة جيدة من الحفظ، بجدران شبه مكتملة، وغرف مليئة بأدوات الحياة اليومية. وقد بقيت الطبقات الأثرية على حالها منذ آلاف السنين، كما لو كانت بالأمس.
وضمن هذه الأدوات وأنشطة الحياة اليومية والصناعات التي عثر عليها، الخواتم والجعارين والأواني الفخارية الملونة، والطوب اللبن الذي يحمل أختام خرطوش الملك أمنحتب الثالث.
وبعد 7 أشهر فقط من التنقيب، تم اكتشاف مناطق أو أحياء بتلك المدينة. وفي الجزء الجنوبي عثرت البعثة على المخبز ومنطقة الطهو وأماكن إعداد الطعام كاملة مع الأفران وأواني التخزين الفخارية التي تخدم عددا كبيرا من العمال والموظفين، بالإضافة إلى أدوات مستخدمة في النشاط الصناعي كالغزل والنسيج، وركام للمعادن والزجاج، لكن المنطقة الرئيسية لهذه الأنشطة لم يتم اكتشافها بعد.
ومن طرائف الاكتشاف، إناء يحتوي على غالونين من اللحم المجفف أو المسلوق - نحو 10 كيلوغرامات– وبه نقوش يمكن قراءتها: "السنة 37. لحوم مسلوقة لعيد حب سد الثالث من جزارة حظيرة (خع) التي صنعها الجزار إيوي".
ومن المفاجآت غير المتوقعة في مدينة مثل هذه، العثور على "دفنة لشخص بذراعيه ممدودتين إلى جانبه، وبقايا حبل ملفوف حول ركبتيه، وهو وضع غريب نوعا ما للدفنات المصرية في ذلك العصر، ويجري البحث حول هذا، إضافة إلى دفنتين غير مألوفتين لبقرة أو ثور داخل إحدى الغرف"، وما زال البحث جاريا لتحديد طبيعة هذه الدفنات والغرض منها.
وإلى جانب هذا، اكتشفت البعثة مقابر منحوتة في الصخور بأحجام مختلفة، يُصعد إليها بسلالم منحوتة في الصخر أيضا، وتتوقع البعثة الكشف عن مقابر لم تمسها يد، مليئة بالكنوز.
ووفق البيان، قالت أستاذة علم المصريات في جامعة "جونز هوبكنز"، بيتسي بريان، إن اكتشاف هذه المدينة المفقودة هو "ثاني اكتشاف أثري مهم بعد مقبرة توت عنخ آمون، ليس بسبب ما تكشفه من أسرار عن الحياة اليومية فقط، ولكن لأنها تساعد في إلقاء الضوء على أحد أعظم الألغاز في التاريخ، ولماذا قرر إخناتون ونفرتيتي الانتقال إلى العمارنة"، في إشارة إلى رحيل إخناتون وزوجته عن العاصمة طيبة ليؤسس مدينة إخناتون "تل العمارنة" ويعلن فيها عبادته لـ"آتون".