بفكرة بنيت على الثقة والإنسانية، بات في وسع عشرات المشردين النوم في سرير دافئ يحميهم برد فرنسا القارس.
جاء الأمر بمبادرة من أرباب مقاولات الذين شرعوا أبوابهم للمشردين ليناموا في مكاتب دافئة ولكنها فارغة في الليل.
وأطلق على هذه المبادرة اسم"مكاتب القلب"، وأتت فكرتها من رؤساء مقاولات من مدينة نانت غرب فرنسا وتنتشر في مدن أخرى تدريجيا.
وقبل حوالى 3 سنوات، كان رجل الأعمال ورئيس مركز القادة الشباب في نانت، بيير إيف لواك، يفكر في الأمر كثيرا، وهو يوميا يصادف امرأة تبيت في موقف السيارات التابع لشركته.
يقول بيير في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية": "كنا نعاني من مشكل في التدفئة في العمارة حيث توجد مقاولتي الخاصة، فاضطررنا لتشغيل التدفئة طوال الليل حتى نستفيد من جو دافئ في النهار. كما أن الشقة تحتوي على مطبخ وحمام، ولا ينقصها شيء من الأساسيات لأقترح على المرأة المبيت في مكاتبنا".
لم تتوقف مبادرة بيير عند هذا الحد، إذ قام بعقد اجتماع مع مقاولين شباب بالمنطقة واقترح عليهم أن يقوموا بنفس الأمر، فرحبوا بالفكرة وعملوا على معالجتها من الناحية القانونية وشكل التأمين، وجعلوا منها جمعية تحمل اسم "مكاتب القلب".
مكاتب ساخنة ولكنها فارغة
ومن جانبها، توضح مسؤولة التواصل بجمعية "مكاتب القلب"، أمندين بيرو في حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن أكثر من 15 شركة انضمت إلى هذه المغامرة الإنسانية والجميع أعرب عن استعداده لإيواء رجل أو امرأة من الشارع في مقرهم مرسلين من قبل الجمعية.
وتتابع: "فكرة بسيطة لا تكلف شيئًا تقريبًا لكنها تبعث الكثير من السعادة على الطرفين، لأن كل هذه الأمتار المربعة دافئة بالفعل وغالبًا ما تكون مُجهزة بمطبخ وحمام. لكننا نحذر دائما من أننا لن نصبح أخصائيين اجتماعيين أبدًا، نحن نساهم فقط بمجهودنا وتطوعنا في إيجاد حلول تنفع المجتمع".
والقاعدة تقول إن الضيف عليه أن يلتزم ببعض الشروط أهمها، الوصول إلى المكتب المستضيف انطلاقا من الخامسة مساء أيام العمل وطيلة اليوم خلال نهاية الأسبوع، مع المنع من اصطحاب معارف إلى المكان أو شرب الكحوليات. وفي المقابل، يوقع أصحاب المكاتب اتفاقية استضافة تمتد لستة أشهر قابلة للتجديد.
"وحول فنجان قهوة يتبادل الحديث صباحا الضيف والمستضيف، ثم يغادر اللاجئ إلى نشاط تحدده الجمعية الشريكة، كتعلم اللغة أو العمل على مشروع الحياة" تحكي مسؤولة التواصل.
وتختم حديثها موضحة أن الكثير من المطاعم القريبة من المقاولات المستضيفة تقوم ببعث وجبة العشاء مجانا إلى المستفيدين من "مكاتب القلب". "من خلال ما عشته في هذه التجربة، اتضح لي أن الرحمة تسكن قلوب الكثيرين وبمجرد أن تخرج مبادرة إلى النور تتهافت الأيدي لتمد يد المساعدة قدر المستطاع".
عشرات المستفيدين والحاجة واحدة
فقراء، مهاجرون غير شرعيون، شباب بدون مأوى أو عمل وغيرهم هم من يستفيدون من "مكاتب القلب".
وبوبا باس واحد من المستفيدين الذين قدموا من غامبيا ومروا من مآسي ومخاطر كثيرة قبل وصوله إلى بر فرنسا، أمضى ستة أشهر في الشارع قبل أن يستفيد لمدة سبعة أشهر من "مكاتب القلب" في وقت كانت تمر المدينة من حجر صحي، وبعدها استطاع أن يلج برنامج اندماج تقدمه جمعية سان بينوا لابر.
"كان بوبا يناديني أنا وزوجتي أخي وأختي، هو الوحيد الذي قدم لي إحساس الأخوة الصادقة دون أن تربطنا صلة دم، عندما غادر مكتبي أحسست بإحساس لا يوصف"، هكذا عبر بكل حب رجل الأعمال بيير إيف لواك في ختام حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية".
وتحكي إليزبيت بدورها لموقع "سكاي نيوز عربية" أنها كانت تبيت في سيارتها لأسابيع طويلة، إلى أن استضافتها إحدى المقاولات في مكاتبها لمدة شهر.
وتستطرد بامتنان، "تعني لي "مكاتب القلب" الكثير، ويمثل لي من احتضنوني عائلة ودفئا سيسكن قلبي ما حييت، فقد استضافوني في وقت ضيق وبرد إلى أن حصلت على عمل واستقريت من جديد".