في بريطانيا، هناك أكثر من 73 ألف صندوق هاتف أحمر، بحسب أرقام شبه رسمية. هذه الصناديق عبارة عن كابينة صغيرة تضم هاتفا عموميا يعمل بالعملات النقدية المعدنية.
وفي زمن الهواتف الذكية خرجت غالبية تلك الكابينات عن الخدمة غير أن قرابة 5 آلاف واحدة منها لا تزال تعمل بشكل طبيعي.
ويعود تاريخ تشييد أول صندوق أحمر في لندن إلى عام 1926 وبقيت في الاستعمال لغاية إدخالها رسميا في قائمة الشواخص السياحية التي تمثل بريطانيا عام 2006، ما أوجب استمرار صيانتها والحفاظ عليها جميعا حتى تلك التي خرجت عن الخدمة.
الكابينة اللذيذة
غير أن الشيف الإيطالي دانييل بينديتي أعاد استغلال صندوقين اثنين منها بطريقة "لذيذة".
أجبرت جائحة كورونا جميع المطاعم ومحال الحلويات في بريطانيا على غلق صالاتها واقتصار الخدمة على الأكل خارج المحال أو عبر التوصيل. وهنا تولد سباق جديد في كيفية التأقلم مع شروط كورونا ومواكبة متطلبات دفع إيجارات المحال والمعيشة.
واستغل بينديتي وجود صندوقين مهجورين من صناديق هواتف لندن الحمراء الشهيرة أمام بوابة متنزه راسل سكوير في العاصمة البريطانية، ليفتتح مشروعه الصغير المعروف باسم "واكا ميسو"، أو كما يعرف محليا باسم "تيراميسو عالماشي".
أصل الحلوى
وتعد التيراميسو أحد أشهر أنواع الحلويات الإيطالية التي لاقت رواجا كبيرا خارج إيطاليا خلال العقد الأخير، ومعنى الكلمة باللغة الإيطالية هو "ارفعني" او "ابهجني"، وهو الأقرب لما تحويه الحلويات من طاقة عالية بسبب كميات السكر وبن القهوة.
وتتكون التيراميسو من خليط من البسكويت المغموس في قهوة الإسبرسو المرة ويضاف إلى الخليط صفار البيض والجبن والسكر والفانيلا، لكن اللمسة الأهم هي رش السطح بطبقات من بودرة الكاكاو قبل تقديمها. ويبلغ وزن كل قطعة قرابة 200 غرام.
تولدت الفكرة لدى بينديتي بعد توصله إلى قناعة مفادها أن طبق "التيراميسو"، يستحق أن يكون من منزلة المثلجات والآيس كريم. إنها حلويات سريعة الأكل بالإمكان تناولها خلال السير في المتنزه او الاستمتاع بها أكثر مع الأصدقاء.
يضيف الشيف الإيطالي أنه يملك في الوقت الحالي فرعا وحيدا أمام مدخل المنتزه، وقد بدأ العمل به في أغسطس عام 2020.
يعمل وحده
ويردف: "أعمل في هذا المكان وحدي وقد قمت بترتيب كل ما ترونه في هذا الصندوق الأحمر بنفسي. في العادة أنجز عملي بنفسي واستمتع به ولكن مع تزايد الطلب خلال وقت الجائحة وغلق غالبية محال الحلويات أفكر جديا في الاستعانة بعامل لمساعدتي في مشروعي الذي اراه ينمو ويكبر".
ولأن المكان صغير فقد قرر الشيف ألا يتوسع في قائمة الطعام ويتخصص في إعداد "التيراميسو"، مع إضافة بعض النكهات من وقت لآخر غير أنه يبقى الطبق الوحيد المقدم في هذه صناديق الهواتف.
النوع المفضل
وتفضل غالبية الزبائن "واكا ميسو" الطعم الكلاسيكي، ويعود السبب إلى عدم معرفة كثيرين به والخوف من تجربة الجديد، لكن الشيف الإيطالي لاحظ الاقبال المتزايد على نكهة الفستق وبدأ يصنع اطباقا خاصة منه في عطلة نهاية الأسبوع.
ويشير بينديتي إلى أن صناديق الهاتف مؤجرة بعقد رسمي من المجلس البلدي، وطبعا ينص العقد على بدل الإيجار وعلى اسم المشروع وتفاصيله؛ أي لا يمكن تغيير هوية المشروع قبل ابلاغ المجلس البلدي واستحصال موافقات جديدة.
ويعد الطقس في لندن من بين أكبر التحديات امام مشروع "واكا ميسو"، الذي يعتمد بالكامل على حركة المارة في الشارع. يضاف إليها تراجع الحركة التجارية بشكل عام جراء الجائحة.
أما فيما يتعلق بإعداد التيراميسو، ولأن المكان ضيق للغاية ولا يتسع الا للبيع وخزن أغراض قليلة، فقد اتفق الشيف الإيطالي مع أحد الفنادق القريبة لاستخدام مطبخه وإعداد الخلطة ونقلها لغرض البيع مقابل الترويج تجاريا للفندق الذي يبعد قرابة 5 دقائق فقط عن محل البيع المتواضع هذا.
جدير بالذكر أن أصل التيراميسو لا يزال محل جدل في إيطاليا؛ حيث ادعا كل من "فرناندو وتينا راريس" عام 1998 أنه ابتكار جديد، لكن أول كتابة معتمدة عن التيراميسو كانت موثقة في كتاب طبخ يوناني يعود تاريخه إلى عام 1971.