قبل 52 عاما، وتحديدا في التاسع من مارس عام 1969، كان المصريون يودعون واحدا من أشهر العسكريين العرب، الفريق أول عبد المنعم رياض، ليصبح هذا اليوم "عيدا للشهيد المصري"، يحتفل به المواطنون ببطولات شهدائهم الذين ضحوا بدمائهم من أجل رفعة الوطن.
واحتفالا بـيوم الشهيد، كان لموقع "سكاي نيوز عربية" لقاء مع اللواء محيي نوح، قائد المجموعة 39 قتال، وأحد أبطال حرب أكتوبر، والبطل الحقيقي لفيلم "الممر" الذي جسده الفنان المصري أحمد عز.
وفتح نوح خزائن الذكريات ووضح تفاصيل جديدة تحكى لأول مرة، عن الشهيد اللواء إبراهيم الرفاعي، وشهداء المجموعة 39 قتال، وكيف يعيش المصريون في أمان بعد بطولاتهم وتضحياتهم.
ويحكي "قائد المجموعة 39 قتال"، قائلا: "التقيت باللواء الرفاعي الذي خدمت معه في اليمن في وقت سابق، وطلب مني العمل معه واختيار أفضل العناصر المتميزة، لنبدأ بعدها العمل تحت مسميات عديدة مثل (فرع العمليات، والفدائيين المصريين، والكوماندوز المصريين، ثم مجموعة 39 قتال)، التي تمت تسميتها بهذا الاسم لعدد العمليات الفدائية التي قامت بها ضد العدو".
الثأر للشهيد عبد المنعم رياض
ويضيف نوح في حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية": "مجموعة 39 قتال قامت بتدمير مواقع العدو، ونجحت في كسر الحاجز النفسي بيننا وبينهم، ومن بين العمليات التي قمنا بها كانت الثأر للشهيد عبد المنعم رياض، الذي استشهد إثر قذيفة وُجهت إليه من موقع (لسان التمساح) على مدينة الإسماعيلية".
وأوضح أن المجموعة تحركت في 6 قوارب، وكان هو قائدها، لافتا إلى أنه على الرغم من "الدُشم" الحصينة، تمكنت من إنزال العلم الإسرائيلي ورفع العلم المصري، وحرق المنطقة الإدارية.
وكان رياض قد استشهد في حرب الاستنزاف بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية في سيناء، ردا على عدوان 1967، بعد أن توجه إلى الجبهة ليتابع بنفسه نتائج قتال اليوم السابق، وأثناء مروره على القوات في الإسماعيلية، أصيب بنيران مدفعية وفارق الحياة خلال نقله إلى مستشفى الإسماعيلية.
ويتابع "البطل الحقيقي لـفيلم الممر" حديثه بالقول: "في عملية رد الاعتبار أصبت بشظايا وتم نقلي لمستشفى القصاصين لإجراء عملية جراحية، وحينها كنت أتمنى الشهادة. ثم نقلوني إلى مستشفى المعادي، وهناك قالبني اللواء محمد صادق مدير المخابرات، وزارني الرئيس جمال عبد الناصر في المستشفى لمعرفة كواليس ما حدث في عملية (لسان التمساح)، وطلبت منه الاشتراك في العملية الفدائية المقبلة".
إعدام الخائن
وبنبرات الفرح والنصر يتذكر نوح العمليات التي تلت تلك العملية، قائلا: "بعد 3 شهور قمنا بعملية على نفس الموقع، العجيب أن العدو كان يعلم تحركاتنا من أحد الضباط الذي كان في رتبة رائد اسمه فاروق الفقي، والذي كان على صلة بجهاز الموساد الإسرائيلي عن طريق عشيقته هبة سليم، التي تعرفت على ضابط موساد إسرائيلي في فرنسا، واشتركت مع عشيقها الرائد لإمداده بالمعلومات عن المواقع العسكرية والخطط والتحركات، حتى وقعوا في قبضة المخابرات العامة التي أعدمته على خيانته".
وقام الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتكريم رياض بمنحه رتبة فريق أول، ووسام نجمة الشرف العسكرية، أرفع وسام عسكري في مصر، بعد استشهاده في مثل ذلك اليوم.
ويشير نوح إلى أن "مجموعتنا استطاعت خلال حرب أكتوبر أن تنفذ 92 عملية، سميت تلك العمليات بـ(الكمائن) خلف خطوط العدو، بخلاف ذلك ضربنا إسرائيل من الداخل بعمليات في مناطق نسان وسيدوف وإيلات، ومركة رأس العش، والعديد من العمليات الأخرى".
وعن استشهاد رياض، قال الكاتب الصحفي الراحل محمود عوض، في كتابه "اليوم السابع: الحرب المستحيلة - حرب الاستنزاف"، إن "استشهاد الفريق عبد المنعم رياض جعل المصريين يصرون على أنها نهاية البداية، نهاية النظر إلى الخلف وبداية التطلع إلى الأمام، التطلع إلى تحرير الأرض، كل الأرض العربية".
"أمير الشهداء"
وعن البطل إبراهيم الرفاعي، يقول نوح لموقع "سكاي نيوز عربية": "أمير الشهداء، استشهد يوم 19 أكتوبر وقت آذان الجمعة، ومن بعد استشهاده توليت قيادة مجموعة 39 قتال، وقمت بالذهاب إلى قياده الجيش لأخذ المهمة من اللواء عبد المنعم خليل، قائد الجيش، للذهاب مع المجموعة للدفاع عن منطقه جبل مريم جنوب الإسماعلية، لنكون في الخطوط الأمامية لكتيبة المظلات هناك".
وتابع في حديثه عن "أمير الشهداء" بالقول إنه تم تنفيذ العديد من العمليات الانتحارية خلف خطوط القوات الإسرائيلية بين 1967 و1973، مشيرا إلى أنه قام بتدمير "معبر الجيش الإسرائيلي على قناة الدفرسوار، وخاض قتالا مع مدرعات العدو قبل أن تسقط قنبلة من إحدى مدفعيات الإسرائيليين الموجودين بالقرب من موقعه، لتصيبه ويسقط جريحا، ويرفض أن ينقذه رجاله مطالبا إياهم بالاستمرار في المعركة، حتى توفي بعد أن تم نقله لمستشفى الجلاء".
كواليس مشهد "السنترال"
وعن "فيلم الممر"، الذي تدور تفاصيله حول ضابط مصري يخدم في منطقة "رأس العش" في بورسعيد، وهو من أبطال الصاعقة في فترة النكسة، أكد نوح أنه التقى بالمخرج شريف عرفة قبل فترة من الفيلم، وسأله عن واقعة السنترال بالتحديد، ولكن قائد المجموعة 39 قتال استغرب من السؤال، لأن الواقعة لم يتحدث عنها الإعلام من قبل، ليروي تفاصيلها إلى المخرج.
ويوضح المشهد الغضب الذي كان يسيطر على الكثير من المواطنين تجاه عناصر الجيش، في فترة ما بعد النكسة وما قبل نصر حرب أكتوبر.
وتابع نوح: "عرفة أكد لي أنه سيقوم بتجسيدها في أحد مشاهد الفيلم لأهميتها، باعتبارها توضح وضع وعلاقة كانت قائمة بين الشعب ورجال الجيش في فترة ما بعد النكسة وما قبل نصر أكتوبر العظيم، وقد كان وتفاعل معها الجمهور بشكل كبير".