لا يمكن لأي شخص يمر قرب محطة قطار ايلينغ جنوب غربي لندن أن يتجاهل رائحة الفلافل. رائحة يعرفها تقريبا كل العرب وتستهوي البريطانيين في لندن، التي تضم مطاعم فاخرة، وأخرى شعبية لجاليات عربية تقدم مختلف الاطباق الشرقية وفي مقدمتها الفلافل.
لكن "صندوق الفلافل" الذي يتوسط تقاطع ايليغ يعتبر قصة مختلفة لنجاح أخوين فلسطينيين في تحويل تجربة الاغتراب إلى تحد معيشي.
يقول أحمد موسى، الشاب الفلسطيني الذي سكن مع عائلته في سوريا قبل أن يستقر بهم المقام في لندن منذ 10 سنوات، يقول إن فكرة الاستثمار بكشك الفلافل تولدت أول مرة لدى شقيقه الذي يملك متجرا للمواد الغذائية، مما سمح بأن تكون قائمة مواد التحضير من خضراوات وحبوب جاهزة وطازجة في كل يوم.
ويعمل أحمد في الأصل حلاقا في أحد صالونات حلاقة الرجال، غير أن الإغلاق العام الذي رافق تفشي وباء كورونا حثه على الاجتهاد وإيجاد بدائل معيشية. وصار يتناوب مع شقيقه على تجهيز ساندويشات الفلافل في مشروعهم الطموح.
"الحمد لله".. عبارة لازمته خلال لقائه مع "سكاي نيوز عربيه"، وسؤاله عن الحركة التجارية خلال وباء كورونا، في إشارة إلى القناعة بالبسيط لتوفير قوت يومه والعودة بما يجود به "صندوق الفلافل" خلال النهار لمساعدة عائلته.
ويختص "الصندوق" بتقديم ساندويتشات الفلافل، ولا مانع من إضافة القليل من البطاطا، أو الباذنجان مع الشطة، لتكون النتيجة ساندويتش المشكل الذي يشتهر به الكشك.
ويقول أحمد إنه يحتفظ وشقيقه بسر المهنة وهي الخلطة الفلسطينية التي تستهوي زبائن الكشك. إذ يتم إعدادها في وقت مسبق في البيت على أن تكون جاهزة للقلي والبيع حال وصولها إلى الكشك الذي يقدم أيضا أطباقا أخرى من بينها البطاطا على الطريقة القبرصية والقرنبيط المقلي والملفوف.
ويحمل "يافا فلافل بوكس" اسم يافا المدينة الفلسطينية الراسخة في مخيلة أحمد وشقيقه ويرتاده العرب والبريطانيون والأجانب على حد سواء، غير أن غلق مئات المحال والمراكز التجارية القريبة أثر على الحركة فيما يحاول الشقيقان الفلسطينيان الصمود أمام آثار الجائحة.
وتسمح أغلب المجالس البلدية في لندن بتأجير مساحات من الأرصفة لنصب أكشاك تجارية مقابل بدل إيجار شهري يتراوح ما بين 200 إلى 2000 دولار، حسب مكان الكشك وحجمه وموقعه التجاري، غير أن غالبيتها تكون بأسعار مدعومة لمساعدة المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وغالبا ما ترتبط المشاريع الصغيرة المتعلقة بالوجبات السريعة بالمهاجرين وباليد العاملة التي تواصل القدوم إلى المملكة المتحدة. وتشير إحصائيات شبه رسمية الى استقبال بريطانيا قرابة 715 ألف مهاجر خلال عام 2020 لوحده استطاع نحو 313 ألفا منهم الحصول على إقامة مؤقتة أو دائمة. ويعمد أغلبهم لفتح مشاريع خاصة لتأمين قوت عائلاتهم قبل الانخراط في سوق العمل الذي يشترط اتقان اللغة الإنجليزية والخبرة في مجال الاختصاص.
ويقول أمجد، عامل توصيل الطلبات على دراجته النارية، إن "ساندويشة الفلافل مع كاسة الشاي" تحولتا إلى وجبة شبه يومية لسد رمقه وتحمل مشقة يوم العمل الطويل. فيما تشير ألين، الموظفة في أحد البنوك القريبة، إلى أنها من بين أكبر المعجبين بالفلافل لأنها وجبة تلائم النباتيين.
أما أكبر تحد أمام مشروع الأخوين موسى فقد كان الطقس البارد في بلد يمتد فصل الشتاء البارد والماطر فيه أحيانا إلى أكثر من 7 أشهر.
ودعنا أحمد بابتسامته العربية التي تعد سببا مضافا لجذب الزبائن الأجانب، ودعانا لزيارته مجددا في عطلة نهاية الأسبوع التي تشهد في كل مرة تقديم الفلافل على الطريقة المصرية والعراقية، وطبعا مع المقبلات التي يتم إعدادها في البيت.