في أكبر شوارع الدار البيضاء، وسط المغرب، وفي وضح النهار، تعرضت زينب للنصب دون أن يثير الأمر انتباه المارة، ودون أن تستوعب هي ذلك، بعد أن تحكم شخص مجهول في عقلها وسلبها كل ما كان في حوزتها دون عنف أو تهديد.
وعن تفاصيل ما وقع ذلك اليوم تقول زينب لموقع "سكاي نيوز عربية": "في طريق عودتي من العمل، استوقفني شخص وسألني عن عنوان طبيب عام، وفي الوقت الذي كنت أدله فيه على العنوان التحقت بنا سيدة ورجل، تبين فيما بعد أنهما شريكان له، حيث بدأ في استعراض معارفه عن عالم الغيب وقدراته الخارقة".
وبحسب زينب فقد ظلت مذهولة حينها ومنبهرة بما سمعته من كلام أغلبيته مبهم، مما جعل تفكيرها يتوقف، ورضخت لطلبات الشخص الذي استوقفها في الشارع، وقدمت له وعن طواعية كل ما كانت تحمله معها من مال وما ترتديه من ذهب.
وتعد زينب واحدة من بين عشرات الأشخاص الذين وجدوا أنفسهم ضحايا عمليات نصب واحتيال، يسلبهم فيها مجهول مبالغ مالية أو ممتلكات قيمة دون تهديد أو مقاومة وعن طيب خاطر، بعد أن يسيطر على عقولهم ويفقدهم وعيهم عن طريق ما يعرف في المغرب بـ"السماوي".
ويربط البعض هذه الطريقة الغريبة والتي تصنف ضمن جرائم النصب والاحتيال، بعالم السحر والروحانيات فيما يربطها آخرون بالتنويم المغناطيسي، حيث يقوم الجاني بإدخال ضحاياه وغالبيتهم من النساء في حالة من فقدان الوعي وعدم السيطرة على النفس.
صدمة وذهول
وتقول زينب إنها لم تستوعب ما تعرضت له من سرقة وخداع إلا بعد أن غادر الأشخاص المكان، واختفى أثرهم لتكتشف وتدرك أنهم سلبوها ما قيمته 10 ألف درهم مغربي (حوالي 1000 دولار) مما أدخلها في حالة من الصدمة والذهول، أمام عدم قدرتها على فهم أو تفسير ما وقع.
وبنفس الأسلوب الغريب والغامض تعرضت زهراء لسرقة مبلغ مالي قيمته 30 ألف درهم مغربي (حوالي 3000 دولار)، بعد أن قامت بسحب المال من البنك وقدمته للمحتال الذي كان يتحكم في تصرفاتها ذلك اليوم.
وحول الحادثة أوضحت زهراء لموقع "سكاي نيوز عربية": "أغمي عليّ وسط الشارع من هول الصدمة، فور اكتشافي ما وقع، ولا أستوعب إلى اليوم كيف دخلت إلى البنك وقمت بسحب كل ما كنت أدخره، وسلمته من تلقاء نفسي ودون تردد لذلك الشخص الذي ظل ينتظرني بكل ثقة وهدوء خارج البنك".
لعب بالعقول
وكباقي ضحايا هذا النوع من النصب والاحتيال، تعجز زينب وزهراء عن تفسير ما وقع لهما لكنهما تتفقان على أنهما كانتا تحت تأثير شخص غريب سيطر على عقلهما، تحت ما يسمى في المجتمع المغربي بظاهرة "السماوي".
وفسر الخبير الأمني المغربي عبد القادر الخراز، ما وقع للسيدتين وما يتعرض له العديد من الأشخاص ضحايا "السماوي"، بكونه لا يعدو أن يكون تحايلا على العقول من طرف أشخاص يتقنون هذه اللعبة، ويتخذونها مهنة للنصب والاحتيال على المواطنين، ويصطادون ضحاياهم من الشارع العام.
ويعتبر الخراز في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن معاناة الضحايا من مشاكل وضغوط الحياة اليومية وإيمانهم بعالم الروحانيات تجعل منهم فريسة سهلة الوقوع في شباك النصابين عن طريق ما يعرف بـ"السماوي".
وبيّن الخبير الأمني أن النصابين يستهدفون عادة المدن الكبرى، حيث يصعب الوصول إليهم بسهولة، كما يمكنهم تكرار فعلتهم والإيقاع بأكبر عدد من الضحايا دون أن ينكشف أمرهم.
وبحكم تجربته المهنية في سلك الشرطة المغربية ومعاينته لمجموعة من الجرائم المرتبطة بالنصب عن طريق "السماوي"، يوضح الخراز أن الجناة وبعد إيقافهم والبحث معهم، يجمعون على أنهم يعتمدون أساسا على تجميع معلومات قبلية عن الأشخاص المستهدفين قبل الإقدام على فعلتهم.
وأضاف الخبير الأمني، أنه وبمجرد إيقاف الجاني للضحية يسأله بداية عن عنوان معين ثم يدخل معه في حديث ويقدم نفسه على أساس أنه صاحب "بركة" ولديه قدرات لقراءة المستقبل ويطلعه عن بعض الأمور الشخصية التي تتعلق بحياته، ويقدم له خدمة تحصين ما يملك من مال أو أشياء ثمينة ومضاعفة قيمتها.
وما يساعد أيضا على الإيقاع بالضحية حسب الخراز، هو وجود أعوان يلتحقون بالشخص الرئيسي حيث يساعدونه وفق سيناريو محبك على إتمام عملية النصب، عبر تأكيد كلامه ومعرفتهم السابقة به وبقدراته على حل المشاكل المستعصية.
تأثير الخرافة والربط بالتنويم المغناطيسي
من جانبه يعتبر محسن بنزاكور، المختص في علم النفس الاجتماعي، أن الاعتقاد بالقدرات الخارقة للآخر والشجع والطمع، هو ما يسهل عملية النصب على عدد من الضحايا عن طريق "السماوي".
ويردف بنزاكور أن من يمتهن هذه الحرفة لهم طرق خاصة في الإيقاع بالضحايا، كإتقانهم فن الكلام والإقناع، واشتغالهم كفريق يتخصص كل عنصر منه بمهمة محددة في جريمة النصب.
ويرى المختص الاجتماعي في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن هذه الظاهرة تستحوذ على النفوس وتستعمل أساليب لإسقاط الضحايا وتستغل تأثير الخرافة على العقل الإنساني، واستعداد البعض المسبق للقبول بمفهوم "الفكر السماوي".
وتتبنى ظاهرة النصب باستعمال "السماوي" حسب بنزاكور "فكرة الخوارق التي تجد لها مكانا في كل العقول بدون استثناء لكن درجاتها تختلف حسب طرق توظيف هذا الفكر، فإذا كان محصنا بشكل علمي فهو باب للابتكار، وإن لم تحكمه ضوابط وارتبط بضعف نفسي فقد ينتج ظواهر اجتماعية مثل السماوي".
ووفق بنزاكور فإن "جهل الإنسان بالحقيقة العلمية لا يقتصر فقط على الشخص غير المتعلم، حيث يسقط في مخالب السماوي ضحايا من كل الأصناف الاجتماعية، وهو ما يعطي لهذا النوع من النصب الاستمرارية داخل المجتمع".
ويرفض بنزاكور ربط البعض لظاهرة "السماوي" وما يتعرض له الضحايا بالتنويم المغناطيسي، معتبرا أن التنويم يخضع لضوابط علمية، حيث لا يستطيع أيا كان القيام به دون خلفية علمية، كما لا يمكن تطبيقه في الشارع العام ودون المرور عبر مراحل معينة، التي لا ينجح فيها إلا المتخصصون في التنويم المغناطيسي.
ويشدد بنزاكور على أن ما يقوم به أصحاب "السماوي" هو تحايل ونصب باستعمال أساليب وألفاظ خاصة، تقود الضحية إلى السقوط في الفخ وتغيّب المنطق والعقل، وما يساهم في ذلك هو التكرار والسرعة التي تميّز العملية التي لا تتيح للضحية مجالا لاكتشاف أو ملاحظة أنه يتعرض لعملية نصب واحتيال.