أثمر التعاون التونسي الجزائري في السنوات الأخيرة، العديد من الأعمال الدرامية المتميزة في المغرب العربي، ومن أبرز البصمات التي تركت أثرها، بصمة المخرج التونسي مديح بلعيد ونصر السهلي.
وقد شكل حضور المخرجين التونسيين في الأعمال الجزائرية نقلة حقيقية، أعادت إلى الدراما الجزائرية بريقها الذي تميزت به في السبعينيات، تحديدا بعدسة المخرج الجزائري الراحل مصطفى بديع الذي أخرج المسلسل الجزائري الشهير "الحريق" عام 1974.
تاريخ فني مشترك
وبلغة الأرقام فإن أبرز أشكال ذلك التعاون، تمثلت في وقوف أزيد من 250 تقني تونسي (في مختلف التخصصات إضاءة، صوت، ديكور) خلف كاميرا الدراما الجزائرية.
في مقابل ذلك توجه عدد من الفنيين والممثلين الجزائريين إلى تونس لتصوير أحدث الأعمال الفنية لشهر رمضان، أبرزها مسلسل (مشاعر 2) للمخرج التركي، والذي يصور حاليا في تونس بمشاركة نجوم الدراما الجزائرية على رأسهم الممثل حسان كشاش والممثلة سارة لعلامة والممثل نبيل عسلي.
في هذا الصدد تقول الناقدة التونسية كريمة وسلاتي لـ"سكاي نيوز عربية": "إن ظاهرة التعاون بين الجزائر وتونس ليست جديدة، وهي أمر صحي من شأنه دعم التعاون الاقتصادي والثقافي بين البلدين".
وخلال الأسبوع الماضي دعت الساحة الفنية المغاربية، واحدة من أبرز المبدعين التونسيين في مجال الصورة والصوت، وهي المخرجة السينمائية التونسية ووزيرة الثقافة السابقة مفيدة التلاتلي التي كانت حلقة مهمة للتعاون الجزائري التونسي عام 1976، حيث أشرفت على مونتاج واحد من أبرز الأفلام السينمائية الجزائري على الإطلاق وهو فيلم "عمر قتلاتو الرجلة" للمخرج مرزاق علواش.
وقالت وسلاتي: "الجزائر وتونس أكثر من إخوة وتجارب من هذا النوع يجب تثمينها وتشجيعها من خلال تطوير الآليات القانونية وتنظيمها لتحكي تاريخ البلدين المشترك".
سرعة الأداء عند التونسيين
الأمر بالنسبة للسيناريست سفيان دحماني الذي تعامل مع عدة مرات مع مخرجين غير جزائريين، أبرزهم المخرج التونسي مديح بلعيد، والمخرج التونسي بلال بالي في سلسلة (عنتر نسيب شداد)، لا يجمل فرق كبير بين التقنيين الجزائريين والتونسيين، فقط في سرعة التنفيذ التي يمتاز بيها التونسيون.
وقال دحماني لـ"سكاي نيوز عربية: "هذا الشيء ناتج عن التكوين والممارسة المستمرة وهو أمر يخدم المنتج بالدرجة الأولى".
وأوضح دحماني: "ما يريد الكاتب ايصاله في الأخير هو الوصول إلى جماليات الصورة والإضاءة وتقطيع والموسيقى".
القنوات الخاصة والسوق الجزائرية
ويجمع المتابعين للمشهد الفني الجزائري أن الكلام لا يقلل من قيمة التقني الجزائري، وإنما يأتي كانعكاس طبيعي لتطور سوق الدراما في الجزائر.
وقالت المخرجة الجزائرية فاطمة بلحاج لـ"سكاي نيوز عربية": "من حق أي منتج أن يأتي بمخرج أو مدير تصوير من تونس أو سوريا أو مصر أو غيرها من البلدان طالما كان همه و نيته إنجاز عمل جيد و متكامل".
وقد بدأت ظاهرة التعاون المشترك تأخذ منحى جادا منذ عام 2017، وذلك بالتزامن مع انتشار العديد من القنوات الخاصة الجزائرية، ونهاية عصر احتكار التلفزيون العمومي للأعمال الرمضانية، وهذا الأمر أنتج عدة اعمال متميزة منها "الخاوة" للمخرج مديح بلعيد، "تحت المراقبة" لأنور الفقيه، "بيبيش وبيبشة" لسامي فاعور، و"القصبة سيتي" لعصم بوقرة.
وقال بلحاج لـ"سكاي نيوز عربية": "هناك تجارب كثيرة في العديد من البلدان العربية، و أهممها تجربة الراحل حاتم علي ومسلسل "الملك فاروق".
وبالنسبة للأعمال التي صنعها بالتعاون مع التونسيين فقالت: "يمكنني أن أشير إلى تجربة نصر الدين السهيلي في مسلسل (أولاد الحلال)، التي جاءت مميزة وتصدرت قائمة الأعمال الأكثر مشاهدة في الجزائر".
وتلخص السيناريست الجزائرية فاطمة وزان الظاهرة، بوصفها: "تبادل الخبرات".
وقالت وزان لـ"سكاي نيوز عربية: "اليوم لدينا فائض من الإنتاج و لم يعد عدد مخرجين في الجزائر، يكفي لتغطية الطلب".
وبشكلٍ عام يؤكد الممثل والمنتج عماد بن شني الذي شارك في عدة أعمال من إنتاج مشترك تونسي جزائري على غرار فيلم "أوغسيتنس ابن دموعها" للمخرج المصري الراحل سمير سيف، ومسلسل "يما" في موسمه الثاني لمديح بلعيد، أن الظاهرة تستدي انتباه الدولة أكثر للسوق الفنية الجزائرية باعتبارها رافد اقتصادي مهم، مع إعطاء حيز أكبر للاهتمام بالتكوين وتبادل الخبرات الأكاديمية.
وقال بن شني لـ"سكاي نيوز عربية: "هناك غياب للتكوين في الجزائر، وذلك في ظل وجود معهد واحد متخصص في التكوين وهو "معهد برج الكيفان" وهذه فرصة لمراجعة الحقل السينمائي والاحتكاك بتجارب الآخرين خاصة من الدول العربية، لخلق منافسة حقيقة بين المنتجين ومنه تحسين الأداء وتغطية العجز".