على مدار السنوات الأخيرة، تحارب مصر أمراض الأنيميا والتقزم لدى الأطفال، حيث تقدم لهم المشورة الطبية والبرامج المختلفة للكشف المبكر عنها وتقديم العلاج المناسب لهم.
من بين تلك المبادرات، مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي للكشف المبكر عن الأنيميا والتقزم والسمنة للأطفال، حيث تم فحص، وفقا لآخر الأرقام، 5 مليون و371 ألفا و715 طفلً.
وتهتم المبادرة بأطفال المدارس في مختلف أرجاء مصر. لكن ماذا عن الشهور الأولى في حياة الأطفال؟ التي وفقا لتقرير صادم أصدرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو" فإن واحدا من بين كل 3 أطفال في مصر يعانون من "التقزّم"، بينما كانت الأرقام الرسمية وفقًا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تفيد بأن نسبة تقزّم الأطفال أقل من 5 سنوات 21 في المئة.
تلك الأرقام كانت البداية لوزارة التضامن الاجتماعي لعمل مشروع "الألف يوم الأولى للأطفال"، والذي يهدف لتعزيز الأمن الغذائي للطفل من خلال الدعم النقدي الذي تقدمه الوزارة في التموين للأمهات المعيلة، والرعاية الصحية للأم طوال فترة الحمل وحتى بلوغ الطفل سن العامين، لتنبيهها بأسس الغذاء الصحيحة التي تضمن صحة جيدة للأطفال وحتى الولادة ومرور عامين.
ويشترط البرنامج على كل سيدة منتفعة، المتابعة الصحية الدائمة وإجراءات التطعيم للأطفال، بالإضافة إلى رعاية الصحة الإنجابية للنساء.
صحة الأم من صحة طفلها
تقول الدكتورة جيهان سامي استشاري طب الأطفال وحديثي الولادة، إنّ المشروع هام للغاية وله إفادة فائقة في حياة الأطفال، ولكن لابد معه من المتابعة الدائمة والمستمرة للأطفال، بجانب إعطاء الأمهات محاضرات حول كيفية التعامل مع أطفالهم بالشكل السليم، وتقديم الطعام المناسب الذي يحتوى على الفيتامينات المناسبة لسنهم.
وتابعت "سامي" في حديثها مع "سكاي نيوز عربية" أنّ عددا كبيرا من الأطفال في القرى والنجوع بسبب نقص الطعام يعانون بشدة من أمراض قاسية، كالكساح والأنيميا، متذكرة أن هناك سيدة قدمت إليها ونجلها يعاني من أمراض كثيرة ومفجعة والسبب كان عدم التوقف عن الرضاعة الطبيعية لعامين، وعدم إعطاء الطفل خلال تلك الفترة الطعام المناسب لنمو جسمه، لتكون تلك السيدة وطفلها معبرين عن آلاف الأطفال المصابين بالأمراض.
وأكدت استشاري طب الأطفال وحديثي الولادة أنّ الأم صحتها من صحة طفلها، فيجب أن تهتم أيضًا بطعامها والفيتماينات خاصة في الشهور الـ6 الأولى التي لا يكون فيهم أي تغذية للطفل سوى الأم.
41 ألف أم استفادت في 2020
بحسب ما قالته الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي فإن "آثار سوء التغذية تضع عبئًا على الخدمات الصحية والتعليمية للدولة وتحد من القدرة الإنتاجية للفرد مما يشكل عبئًا كبيرًا على الدولة".
كما أكدت وزيرة التضامن الاجتماعي أنّ البرنامج استهدف في عام 2019-2020 إجمالي 41 ألف أم بتكلفة بلغت 56.68 مليون جنيه، عن طريق صرف نقاط إضافية على السلة الغذائية التموينية بقيمة 100 جنيه شهريًا.
تدريب للرائدات الريفيات
وكانت وزارة التضامن الاجتماعي قد عقدت تدريبًا قبل أيام، للرائدات الريفيات والعاملين في مجال الصحة المجتمعية التابعين لوزارة التضامن في إطار البرنامج الوطني "الألف يوم الأولى"، بالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
الوزارة أكدت أن الهدف من التدريب هو تطوير قدرات العاملين على تقديم المشورة والمتابعة وزيادة المعرفة الغذائية والصحية للأمهات الحوامل والمرضعات اللاتي لديهن أطفال دون سن الثانية.
وتابعت الوزارة أنّ المعهد القومي للتغذية في مصر الذي يعد الشريك الرئيسي في المشروع، سيقوم بتدريب أكثر من 3000 من العاملين في مجال الصحة المجتمعية على مدار الأشهر الثلاثة المقبلة، لتقديم المشورة الصحية والتغذوية، وتمكينهم من رصد وتيرة زيارات الأمهات والأسر المستهدفة للعيادات الصحية لفحص ما قبل الولادة وزيارات متابعة الأطفال.
المتابعة مستمرة
تقول الدكتورة شيرين فتحي، منسقة مشروع "2 كفاية"، إنّ هذه المنحة يتم تقديمها للأسر ويتم التفاعل معهم من خلال الوحدات والإدارات الاجتماعية، بعد أن يتم إرسال كشف من وزارة التضامن الاجتماعي يحتوي على الأسر المستفيدة من الدعم، ويتم حينها توجيههم لأقرب مكتب بريد لصرف المبلغ المقرر لهم.
وتابعت فتحي في حديثها مع "سكاي نيوز عربية"، أنّهم يقومون بمساعدة السيدات من خلال مكلفات الخدمة العامة والمثقفات، منوهة أنّ آخر دفعة على سبيل المثال تم صرف الدعم لهم هي دفعة شهر يناير 2021 وتم فيها توصيل الدعم لعدد كبير من السيدات، اللاتي يستقبلن خبر وصول الدعم بحالة من الفرحة والسعادة البالغة.
وأكدت مسؤولة التنسيق والمتابعة لعدد من مكلفات الخدمة، أن المشروع هام للغاية، حيث يعتبر السند لرب الأسرة ويجعله يفكر في شراء اللوازم المحرومين منها، ولكي يتم من خلاله تنشئة الأطفال بالشكل الأمثل، موضحة أن السيدات يشعرن دومًا بالفخر من أن الوزارة تشعر بهم وتتذكرهم في ظل الظروف القاسية التي يعاني منها الجميع.
وأنهت فتحي حديثها بالقول إن المتابعة مع السيدات تتم من خلال الوزارة بالتنسيق مع مكاتب البريد التي تقوم بإرسال كشوفات بالأسماء التي لم تتمكن من صرف الدعم، لكي يتم إبلاغهن بالتوجه مرة آخرى وصرف المقرر لهم ماديًا.
ما يحدث مع الرضع "تخلفًا وانتحارًا"
يقول الدكتور أحمد شكري أستاذ التغذية العلاجية بالمركز القومي للبحوث إن أهمية المشروع تكمن في الأرقام المرعبة التي تزداد مع مرور الشهور الخاصة بسوء التغذية في مصر، فما يحدث مع الرضع في عدد من المحافظات الأكثر فقرًا وجهلًا يعتبرًا "تخلفًا وانتحارًا" -حسب قوله-.
شكري الذي يوضح في حديثه لـ"سكاي نيوز عربية" أنّ أكثر من 40٪ من الرضع في عدد من المحافظات الفقيرة لا يتم إطعامهم بالشكل الأمثل، بجانب عدم اهتمامهم بالتطعيمات الإضافية التي تزيد من مناعتهم، وهو ما يجعل الطفل ينمو بشكل خاطئ.
وتابع أستاذ التغذية العلاجية بالمركز القومي للبحوث، أنّ آخر أرقام تحدثت عنها وزارة الصحة المصرية كانت 40٪ من الأطفال هم فقط من يتم إرضاعهم طبيعيًا، وأنّ أكثر من ثلث وفيات الأطفال لها علاقة بسوء التغذية.
آلية تأمين أطفال مصر
في الوقت نفسه، تقول الدكتورة آمال زكي مستشارة برنامج وعي للتنمية المجتمعية في وزارة التضامن الاجتماعي، إنّ "فترة البرنامج هي أهم في تأسيس الطفل، ونحاول من خلالها تلاشي أي سلبيات من الممكن أن تؤثر على الطفل من حيث التغذية، بجانب التطعيمات والمتابعة المستمرة".
وتابعت زكي في حديثها مع "سكاي نيوز عربية" أنّ برنامج الألف يوم الأولى في حياة أطفال مصر يعتبر بمثابة آلية تأمين للوضع الغذائي للسيدات الحوامل والمرضعات، مشددة على أنّ البرنامج له دور كبير في تقليل الأثر السلبي الذي من الممكن وأن يحدث ويؤثر على النمو الإدراكي والبدني للطفل.
وأشارت مستشارة برنامج وعي للتنمية المجتمعية في وزارة التضامن الاجتماعي إلى أنّه في حال عدم الاهتمام بتلك الفترة فهناك احتمالية إصابة الطفل حين يكبر بأمراض القلب والسكري، مؤكدة أن وزارة التضامن تقوم بالتحول الرقمي في هذا المشروع بمساعدة برنامج الغذاء العالمي والوكالة الأميركية للتنمية.
وأنهت زكي بأن البرنامج تعمل فيه 7000 مكلفة و2200 رائدة مجتمعية في مختلف محافظات الجمهورية، يتلقى عدد منهم التدريبات المختلفة، ثم يقومون بالعودة لمحافظتهم لتدريب الآخرين، مؤكدة أن البرنامج سيتم تطبيقة في كل محافظات الجمهورية الفترة المقبلة.