يتواصل "جدل التماثيل" من حين لآخر في مختلف مناطق الجزائر، بسبب ما يراها كثير من الناس بأنها فاقدة للمعايير الموضوعية للفن من ناحية تصميمها وشكلها، خصوصا أن هذه المنحوتات تتعرض في كل مرة لموجة من السخرية والتهكم على منصات مواقع التواصل الاجتماعي.
حتى أصبح من المعتاد أن يتبع تنصيب تمثال يجسد شخصية ما في الجزائر كم هائل من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تمتلئ في ساعات قليلة بصوره متبوعة بحملة من ردود الفعل على شكله وطريقة نحته ونقد للمعيار الجمالي والفني الذي يجسده المجسم.
جدل متواصل
ظلت التماثيل في المدن وخارجها في الجزائر بعد الاستقلال مثار جدل واسع بين الجزائريين، وعلاوة على الحجج الدينية التي يستعملها البعض ضد المجسمات والتماثيل، فإن معيار الجمال يظل طاغيا في الحكم على هذه الهياكل المنحوتة سواء بالإسمنت أو الحديد.
وليست هذه المرة الأولى التي يشتعل فيها جدل محموم حول تمثال منصوب في الجزائر، حيث سبق أن أثار تمثال عالم الدين الشيخ عبد الحميد بن باديس عند افتتاح "قسنطينة تظاهرة عاصمة الثقافة العربية" في ربيع 2015، غضب الجزائريين بسبب نوعية العمل الفني الذي لم يرق حسبهم إلى حجم الشخصية التي يحملها.
ونتيجة للانتقادات التي وجهتها عائلة العلامة الراحل في ذلك الوقت قائلة إنها: "لا ترى شبها بين التمثال والشيخ ابن باديس"، تدخلت السلطات بسرعة لإزالة هذا التمثال بعد أسبوع واحد من إقامته.
ونفس الأمر الذي وقع سنة 2016 مع نشر رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورا لتمثال شهيد الثورة الجزائرية، العربي بن مهيدي بمسقط رأسه، بمنطقة عين مليلة التابعة لمحافظة أم البواقي، شرق الجزائر.
وقد عبر ناشطون على فيسبوك عن رفضهم للتمثال الذي تم تنصيبه، واصفين إياه بـ"المشوه" نظرا لعدم تشابهه بالمطلق مع الشهيد العربي بن مهيدي، ما جعل بعض شباب المنطقة بحمل الراية الوطنية وتغطية التمثال إلى غاية إزالته نهائيا من الساحة التي تم تنصيبه فيها.
وإذا عدنا قليلا للوراء، نجد ما أحدثه شهر يناير الماضي، تمثال الملك "شيشناق" في محافظة تيزي أوزو من جدل واسع وصل مداه خارج البلاد، نظرا لعدم تطابق ملامح التمثال مع صورة هذا الملك الأمازيغي الذي حكم مصر حسب الكثير من المعلقين.
وما يحدث حاليا مع تمثال الأسد الذي نُصب ببلدية الشمرة في محافظة باتنة شرقي البلاد، حيث يعرف بدوره جدلا واسعا بين الجزائريين بسبب طريقة تصميمه، حيث أشار الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أنه "لا علاقة له بشكل الأسد" ما أدى إلى تدخل صاحب التمثال لوضع النقاط على الحروف.
غياب الدعم
بعد الضجة الواسعة التي أثارها، خرج مصمم "هيكل الأسد"، وهو الفنان التشكيلي، عز الدين معيريف، عن صمته في فيديو منشور على فيسبوك بين لوحاته الزيتية للرد على الانتقادات التي طالت عمله، حيث أكد أنه "أراد تقديم شيء بسيط لبلديته النائية بأقل الإمكانيات".
وشرح المتحدث فكرته بالقول إنه "رسام وفنان تشكيلي قام بتنظيم عدة معارض وليس مختصا في النحت"، وتابع في السياق ذاته أنه "لو علم بمكان وضع الهيكل لقام بتصميمه بطريقة أحسن".
وأضاف قائلا: "لا تظلموا الناس أنا لست مقاولا ولا مختصا في النحت".
وحول اختياره للأسد دون غيره، أفاد الفنان أن "هذا راجع إلى منطقة بالبلدية كانت تسمى قديما "كعبة الصيد" حيث كان يصطاد فيها الأسد الأفريقي.
وبخصوص تكلفة المجسم أكد المتحدث أنها "بلغت 16 مليون سنتيم تلقى منها 6 ملايين فقط من البلدية"، أما عن فاتورة 100 مليون سنتيم التي وضعتها البلدية، فأوضح صاحب العمل أنه استلم منها 6 ملايين، قائلا إن الأمر "راجع إلى البلدية وطريقة احتسابها وتقييمها للعمل الذي قام به المقاول".
فيما عبر الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن رفضهم لتحميل الفنانين الجزائريين الذين لا يلقون دعما ماديا يليق بهم، ويعملون وفق إمكانياتهم الخاصة وإنما تتعدى إلى غياب استراتيجية واضحة لإعادة الذوق الفني إلى الفضاء العام، وانعدام رؤية لبسط الحس الجمالي للعمران بصفة خاصة.
وفي السياق ذاته، أشار الصحفي المختص في الشأن الثقافي والفني، فيصل مطاوي، إلى المسألة ذاتها، متسائلا عبر حسابه على فيسبوك إن كان "هذا الليث السمين لا يملك مقومات الجمال الفني.. لكن ماذا عن العمران في الجهة المقابلة؟"
وأضاف في السياق ذاته: "المساكن والعمارات غير مكتملة، غير مدهونة، غير مرتبة، متراصة بشكل فوضوي...تجرح البصر.. ولا أحد لاحظ ذلك".