على بعد أمتار قليلة من الحدود المصرية الليبية، توجد مجموعة من الأشخاص الذين يرتدون ملابس ثقيلة تحميهم من قسوة برد يناير، بينما ينتشرون على رقعة واسعة من الأرض، ليبحثوا بكل دأب عن نبات ينتظرون خروجه العفوي من باطن الأرض كل عام، دون زراعة أو أي مجهود فلاحي مسبق، إنه نبات الترفاس "مغنم أهل الصحراء".
الشيخ عبد المعطي سنوسي من أهل مطروح (شمال غربي مصر) يروي لموقع "سكاي نيوز عربية" قصة الترفاس، وطريقة جمع أبناء مطروح له من الصحراء، فيقول: "ينمو هذا النبات مع هطول الأمطار في شهر سبتمبر من كل عام، فإذا كان معدل الأمطار جيد خلال هذا الشهر، يكون هناك إنتاج من الترفاس".
وتبدأ الرحلة بالحصول على تراخيص من حرس الحدود المصري؛ حيث يتم التخييم في الصحراء لمدة ثلاثة أيام، لتبدأ رحلة البحث بجوار الحدود الليبية.
وبحسب سنوسي، فإن البحث يستهدف الحصول على نوعين من الترفاس، أحدهم أحمر والآخر أبيض يطلقون عليه "زبادي".
ويوضح الرجل أن الترفاس لا يمكن لأحد زراعته، لأنه لم يتم التوصل إلى "التقاوي" الخاصة به، فكل ما يعرفون عنه أنه يخرج هكذا في الصحراء بتدابير ورعاية إلهية، ويأتون لحصاده خلال شهري يناير وفبراير من كل عام.
ويلفت سنوسي إلى أن أسعار هذا النبات متفاوتة، وتصل إلى 400 جنيه (25 دولار أميركي) للكيلوغرام، ويقبل على شرائه أهل الخليج بكثافة، وأحيانا قد يدفعون فيه مبالغ أكبر من المعتاد.
ومن الفوائد الشائعة للترفاس، أنه يستخدم باعتباره مقويا جنسيا، إضافة إلى بعض الاستخدامات الطبية لعلاج التهابات العيون بعد استخراج الماء الذي بداخله، بتعريضه للنار، وفقًا لحديث سنوسي.
في ميزان العلم
من جانبه، يكشف الشق العلمي لهذا النبات النادر، مؤسس بنك الجينات الوراثية النباتية في مصر، الدكتور إسماعيل عبد الجليل، قائلًا إن الترفاس يعرف بأسماء عديدة، ويطلق عليه في مطروح "الكمأة" أو "الفقع".
ويضيف عبد الجليل لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الترفاس نوع من أنواع الفطريات البرية التي تنمو في المناطق المطرية، خاصة المصحوبة أمطارها بالبرق والرعد، مشيرا إلى أن هناك علاقة بين الشحنات الكهربية الناشئة عنها ونمو الفطر في باطن الأرض الرملية بعمقٍ يتراوح من 5 إلى 15 سم.
ويردف: "ينمو فطر الترفاس بشكل مشابه لدرنات البطاطا ويعتبر من ألذ وأغلى أنواع الفطر؛ إذ يتميز بلحمه الرخو وشكله الكروي، كما يتواجد باللونين الأسود والأبيض، وله العديد من الأحجام".
ويوضح عبد الجليل القيمة الغذائية للترفاس، قائلًا: "إنه طعام شهي وغني بالعديد من العناصر الغذائية، إذ يحتوي على كمية قليلة جدا من الدهون والبروتينات والنشويات والماء، بالإضافة إلى مجموعة من المعادن مثل البوتاسيوم والفسفور والكالسيوم والصوديوم، ومجموعة من الفيتامينات مثل فيتامين ب وفيتامين ج، ونسبة من النيتروجين، مما يجعل تركيب هذا الفطر شبيه بتركيب اللحم، كما أن طعمه قريب من طعم الضأن عند طهيه".
ويتابع: "يدخل الترفاس في تحضير الأطعمة والشوربات، ويُفضل أن يتم تناوله مطبوخا، لأن تناول النيئ منه يسبب عسر الهضم. هذا الفطر يمد الجسم بنسبة عالية من البروتينات والعديد من العناصر الغذائية الأخرى".
ويؤمن الكثير من مستخدميه بفاعليته في تقوية القدرة الجنسية، بتناوله طازجا نيئا، وهو ما لا ينصح به. ومن الأفضل تناوله بعد تجفيفه وطحنه؛ ليصبح مسحوقا يستخدم كمشروب عن طريق غليه على النار، لمدة لا تزيد عن ثلاثين دقيقة.
فوائد جمة
وعن الفوائد التي تعود على جسم الإنسان من تناول الترفاس، يقول مؤسس بنك النبات الجيني، إنه يساعد على تقوية العظام ووقايتها من خطر الإصابة بالهشاشة أو الترقق، ويعمل أيضا على تقوية الأظافر ويساهم في علاجها من التقصف والتكسر.
يساهم هذا الفطر أيضا في علاج اضطراب الرؤية ويعمل على تحسين البصر، ويسهم في علاج مرض "التراكوما" أو الرمد الحبيبي في العين في مختلف مراحله، ويحد من حدوث التليف الناتج عن الإصابة بهذا المرض، لقدرته الفعالة على منع تكون الخلايا المسببة للتليف.
ويضيف عبد الجليل: "يعمل على تحسين عملية الهضم ويحد من تعرض الجهاز الهضمي للاضطرابات، إلى جانب قدرته على تخليص الجسم من المواد الضارة والسموم، وتخفيض معدلات الكوليسترول السيء في الجسم".
ويختم حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" بالقول: "إلى جانب كل هذه الفوائد الكبيرة، يساعد الترفاس أيضا على حماية البشرة من علامات الشيخوخة المبكرة، ويحمي الجسم من خطر الإصابة بأمراض السكري وارتفاع ضغط الدم والأمراض القلبية".