لا يزال أثر سحل وقتل الشابة المصرية مريم محمد الشهيرة بـ"فتاة المعادي" ماثلا في أذهان كثير من الفتيات اللواتي يخشين من مواجهة المصير نفسه، دون قدرة حقيقية على مواجهة التحرش بهن أو محاولة سرقتهن.
تلك الحادثة وهذه المخاوف دفعت فتاتين مصريتين إلى إطلاق مبادرة لدعم الفتيات والسيدات في مواجهة محاولات التحرش والاعتداء عليهن، عبر تعليمهن أساليب الدفاع عن النفس مجانا.
وتقول منة مجدي، صاحبة المبادرة، وهي بطلة عالم في الـ"كونغ فو" لعام 2016، إن الانتشار الكبير لعمليات التحرش بالفتيات، وسرقتهن بالإكراه والاعتداء عليهن في الشوارع ووسائل النقل، دفعها وزميلتها هبة، لإطلاق هذه المبادرة، لدعم النساء في مواجهة المخاطر التي يتعرضن لها.
تجربة ذاتية مع متحرش
منة.. ابنة الـ 24 عاما والتي عملت مدربة في منتخب مصر للكونغ فو، تؤكد في حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن المبادرة عبارة عن تدريب الفتيات والسيدات على أساليب الدفاع عن النفس، خاصة من خلال الـ"كيك بوكسينغ" أو النزال الرياضي والملاكمة.
وتخصص منة ساعة كل يوم جمعة لهذا التدريب، للراغبات في المشاركة من مختلف الأعمار.
قبل عامين تعرضت منة للتحرش والملاحقة من قبل أحد الأشخاص، لكنها أكدت نجاحها في مواجهته وضربه بعد أن لاحقها حتى باب منزلها، مضيفة أن ذلك دفعها إلى إدراك ضرورة تعليم الفتيات كيفية الدفاع عن النفس لمواجهة هذه الانتهاكات في حقهن، خاصة في ظل عدم قدرة الكثيرات على صد هذه المخاطر.
لكنها تؤكد أن الدافع الأكبر لها هي واقعة سحل وقتل العشرينية مريم محمد الشهيرة بـ "فتاة المعادي"، التي لقيت حتفها دهسا أسفل عجلات سيارة في أكتوبر الماضي، إثر محاولة سرقتها بالقوة في حي المعادي جنوبي العاصمة القاهرة.
وتقول: "هذه الواقعة وغيرها من عمليات التحرش والسرقة والاعتداء على الفتيات تسببت في خوف كثيرات من النزول إلى الشوارع، مما دفعني لدعمهن على الأخذ بأسباب المواجهة".
فنون قتالية ومعالجة نفسية
لم تقتصر هذه المبادرة على تعليم أساليب الدفاع عن النفس والتدريب على فنون القتال، لكنها امتدت أيضا إلى معالجة الأثر النفسي للفتيات اللواتي تأثرن سلبا بمحاولات التحرش بهن، أو مشاهدتهن لوقائع مماثلة سواء بغرض السرقة أو التحرش، إذ أكدت منة التي تخرجت في كلية التربية الرياضية، أن هناك تدريبات تنمية بشرية للفتيات الملتحقات بالمبادرة.
وأشارت إلى أن أي فتاة أو سيدة في أي عمر يمكنها الانضمام للمبادرة لتلقي التدريبات، موضحة أنها عبارة عن دورة متكاملة تشمل 5 مراحل نظرية وعملية، من التدريب على أساليب الدفاع عن النفس وتمثيل المواقف التي يتعرضن لها من تحرش ومحاولات سرقة وكيفية مواجهتها، ثم التدريب على معالجة الأثر النفسي، وسرعة رد الفعل والوقت المناسب لاتخاذ قرار المواجهة.
ولا يوجد مكان مخصص حتى الآن لتنفيذ التدريبات، بل يتم تأجير ساحة في ناد رياضي أو الحدائق العامة أو كليات التربية الرياضية لإجراء هذه التدريبات، مؤكدة أن المبادرة مجانية وتتحمل هي وزميلتها كافة التكاليف اللازمة لتأجير المكان وتعليم الفتيات.
تدريب شامل لـ 65 فتاة وطلب متزايد
الطرف الثاني في المبادرة هبة محمود، وهي لاعبة كاراتيه ومدربة "كونغ فو"، تتفق مع زميلتها حول أهداف المبادرة وأسباب إطلاقها بعد واقعة فتاة المعادي، مشيرة إلى وجود صدى كبير للمبادرة، دفع فتيات في دول عربية منها فلسطين والأردن لإبداء رغبتهن في التعلم عن بعد.
وقالت هبة (24 عاما) والتي تخرجت في كلية التربية الرياضية، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن ورش المبادرة التي بدأت في 20 نوفمبر الماضي نجحت في تدريب وتعليم نهائي لـ65 فتاة حتى الآن، لديهن القدرة على الدفاع عن النفس، في مناطق متعددة منها المعادي والزمالك وفيصل وكليات التربية الرياضية بنات بالجزيرة بالقاهرة الكبرى، وكذلك محافظة الإسكندرية.
وأشارت إلى وجود طلب كبير من مختلف محافظات الجمهورية، خاصة الإسكندرية وطنطا، لتلقي هذه التدريبات.
وتحلم هبة ومنة الشهيرتان بـ "بوو وميجو"، في الوصول لكل فتاة في مصر وتعليمهن فنون الدفاع عن النفس وإزالة مخاوفهن، إضافة إلى امتلاك مكان ثابت لتعليم الفتيات ودعمهن، بدلا من التنقل بين الحدائق والأماكن العامة.
كيف تواجهين المتحرش؟
وحول أبرز تدريبات الدفاع عن النفس، قالت هبة إنها وزميلتها منة يعلمان الفتيات فن الملاكمة ونقاط الضعف في الجسم نظريا وعمليا، ودراسة كيفية الإفلات من المتحرش إذا أمسك بشعرهن أو لامس جسدهن، وكيفية مواجهة الاعتداء أو محاولة السرقة أو التهجم بالسلاح، أيا كان نوعه.
ويتم ذلك من خلال 5 محاضرات نظرية وعملية، وقد أبدت كثير من الفتيات اللواتي تلقين التدريبات، رغبتهن في الانضمام للمبادرة من خلال تدريب أخريات.
القانون المصري يحمي المرأة
زادت حالات التحرش في مصر خلال الفترة الأخيرة، حيث أكدت دراسة أجرتها هيئة الأمم المتحدة عام 2017، للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، أن حوالي 99 بالمئة من النساء المصريات تعرضن لصورة ما من صور التحرش الجنسي.
وفي وقت سابق، أكدت رئيسة المجلس القومي للمرأة في مصر، مايا مرسي، أن هناك مظلة تشريعية تحمي النساء من التحرش، مشددة على ضرورة عدم السكوت عن تقديم بلاغ ضد أي متحرش، لمنع تكرار ظاهرة التحرش والحد منها.
ووافق مجلس الوزراء المصري برئاسة مصطفى مدبولي، في يوليو الماضي، على مشروع قانون خاص بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، الذي ينص على أن يكون لقاضي التحقيق لظرف يُقدره، وعدم إثبات بيانات المجني عليه في أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات، أو في المادتين 306 مكررا أو 306 مكررا (ب)، من ذات القانون، أو في المادة 96 من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، وينشأ في الحالة المشار إليها، ملف فرعي يضمن سرية بيانات المجني عليه كاملة.