مع تزايد أعداد الإصابات بفيروس كورونا المستجد في مصر، يتجدد الجدل بشأن آلية احتساب تلك الحالات بالبيان اليومي، خاصة مع التصريح الصادم لمنظمة الصحة العالمية بأن تلك الأعداد الرسمية "لا تعكس الحقيقة على أرض الواقع".
وكشف مصدر مسؤول في وزارة الصحة المصرية، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، عن أن مصر تجري يوميا بين 15 إلى 20 ألف فحص "PCR" للحالات المشتبه في إصابتها بالمستشفيات الحكومية، والمستشفيات ومعامل التحاليل الخاصة.
ولفت المصدر إلى أن العدد الإجمالي لتلك الفحوصات منذ بداية الأزمة في مطلع فبراير الماضي، تجاوز حد المليون و300 ألف مسحة.
ويتطابق هذا مع تصريح رئيس إدارة المعامل المركزية لوزارة الصحة، نانسي الجندي، التي قالت إن "عدد المسحات اليومية التي تجرى في معامل الوزارة ومستشفياتها، تصل في المتوسط إلى 10 آلاف مسحة".
ويعني هذا أن المستشفيات والمعامل الخاصة تجري بين 5 إلى 10 آلاف فحص "PCR" يوميا، بحسب المصدر المسؤول.
وكان مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية محمد عوض تاج الدين، قد أعلن قبل نحو شهر بدء موجة كورونا الثانية في مصر، وتحديدا الخميس 26 نوفمبر الماضي، ومنذ ذلك الوقت تتزايد أعداد الإصابات يوما تلو الآخر.
وفي ختام ديسمبر الجاري، سجلت مصر 135233 حالة إصابة بفيروس كورونا منذ بداية الأزمة، وتعافي 111040 حالة، بينما توفت 7520 حالة.
وعاد المصدر - الذي طلب عدم ذكر اسمه- للقول إن "الجدل الذي يحدث من وراء أعداد الإصابات بالبيان الرسمي لوزارة الصحة (المصرية)، سببه أن البيان يتضمن عدد الإصابات الإيجابية من مسحات (PCR) التي تجريها مستشفيات وزارة الصحة فقط، دون أن يتضمن باقي الحالات التي تكتشفها المعامل والمستشفيات الخاصة، وكثير من المستشفيات الجامعية التابعة لوزارة التعليم العالي".
المصدر المصري المسؤول أوضح أيضا أن "بعض المستشفيات تقتصر خدمتها الطبية للحالات المشتبه في إصابتها بكورونا على إجراء تحاليل الدم والأشعة الصدرية، ومناظرته عبر الطبيب المختص، دون إجراء مسحة خاصة للمريض".
وأضاف أنه في حال التأكد من إصابة المريض بـكورونا، فلا يتم احتسابه مع عدد الإصابات اليومية.
وتابع أن الكثير من المرضى يذهبون للعلاج في العيادات الخاصة، التي لا يُسمح بإجراء فحوصات "PCR" داخلها، وفق المصدر، الذي أوضح أنه "في النهاية فإن عدد إصابات كورونا بالبيان اليومي لوزارة الصحة المصرية، يقتصر على من أجروا فحوصات PCR فقط.
وكان مدير الطوارئ الصحية بالمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، ريتشارد برينان، قد قال في مؤتمر صحفي في الثامن من ديسمبر الجاري، إن عدد الإصابات بكورونا التي تسجلها الصحة المصرية "لا يعكس العدد الحقيقي للإصابات في البلاد".
وأضاف أن "الحكومة المصرية قررت أن تركز اختباراتها على مجموعة فرعية من المواطنين، خاصة المصابين بأمراض معقدة وفي حالة حرجة، وبالتالي فمن المرجح أن المصابين بأعراض خفيفة أو متوسطة لا يجرون اختبارات PCR".
وردت وزيرة الصحة المصرية، الدكتورة هالة زايد، على تلك التصريحات في مقابلة تلفزيونية، وأكدت أن الأعداد المعلنة لا تعكس الحقيقة على الأرض بنسبة 100 في المئة بالفعل، مؤكدة أن هذا يحدث في جميع دول العالم.
وأضافت: "الحالات المعلنة هي التي تم تشخيصها وتسجيلها في الأنظمة الصحية فقط، لكن هناك الكثير من الحالات التي لا تعلم بإصابتها في الأساس، أو حالات أخرى تصاب بأعراض خفيفة وتُعالج منزليا ولا تسجل في معامل وزارة الصحة.. وفي النهاية فإن الوباء يُعلن عن نفسه".
ولفتت وزيرة الصحة المصرية إلى أن "الولايات المتحدة الأميركية أعلنت (في وقت سابق) أن عدد الإصابات المسجلة لا يعكس أكثر من 10 بالمئة من الواقع على الأرض".
"10 أضعاف"
وترى عضو اللجنة العليا للفيروسات بوزارة التعليم العالي المصرية، الدكتورة وجيدة أنور، أن إصابات كورونا في مصر "تمثل 10 أضعاف الإصابات الرسمية".
وقالت الدكتورة وجدية في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "الكثير من حالات الإصابة بكورونا تعالج منزليا في الوقت الحالي ولا تسجل في وزارة الصحة، ونعرف أن 80 بالمئة من إصابات كورونا عموما تكون بأعراض خفيفة أو دون أعراض".
وأشارت إلى أن الكثير من المصابين بأعراض خفيفة، "لا يفصحون عن إصابتهم، أو يعالجون بالطرق التقليدية دون الذهاب للمستشفيات، مما يجعل الأعداد ببيان وزارة الصحة ليست كبيرة".
وأضافت أن "أعداد الإصابات في مصر ليست مستقرة في الوقت الحالي، والمؤشرات تقول إننا نتوقع زيادة في الأعداد بالموجة الثانية، ليبدأ التراجع قليلًا بختام يناير من العام المقبل".
وهذا ما شدد عليه استاذ اقتصاديات الدواء وعلم انتشار الأوبئة، الدكتور إسلام عنان، إذ قال إن "الإصابات الواردة بالبيان الرسمي تمثل جزءا صغيرا من الإصابات الواقعية".
وقال عنان لـ"سكاي نيوز عربية"، إن "مصر تتخذ نهج المسحات غير الاستباقية على خلاف الكثير من دول العالم التي تُجري مسحات عشوائية لملايين المواطنين، سواء المصابين بأعراض تنفسية أو غير المصابين، مما يجعل عدد الإصابات منخفض بالمقارنة بالدول الأخرى".
وأوضح أنه في الوقت الذي تجاوزت فيه الولايات المتحدة نحو 240 مليون مسحة، والهند 170 مليون مسحة، فإن مصر لم تتجاوز 1.5 مليون مسحة حتى الآن.
وبمثال حسابي، أشار أستاذ اقتصاديات الدواء وعلم انتشار الأوبئة، إلى أنه "بافتراض أن مصر لا يوجد فيها سوى 100 حالة كورونا فقط، فإن 80 حالة منهم تكون أعراضهم خفيفة ولا يتوجهون للمستشفيات، وبالتالي لن يُدرجوا في البيان اليومي بطبيعة الحال".
وتابع: "بالإضافة إلى 15 حالة أصيبوا بأعراض تنفسية متوسطة أو فوق المتوسطة ومنهم من يعالج في المنزل أو يتوجه لمستشفى خاص أو جامعي، ولا يدرجوا أيضا بالبيان".
ونوه إلى أن الجزء الآخر من المصابين يتوجه للمستشفيات التابعة لوزارة الصحة، وهم من تجرى لهم مسحة، وأخيرا 5 حالات أصيبوا بأعراض حادة واحتاجوا لجهاز تنفس اصطناعي ويمثلون الفئة المؤكد إدراجها بالبيان لإجراء مسحة لهم".
ويوضح عنان أن هذا يعني أن العدد الرسمي لا يتجاوز 10 بالمئة على أقصى تقدير من العدد الفعلي.
وختاما قال: "نتوقع زيادة أكبر في عدد الحالات بذروة الموجة الثانية عن الموجة الأولى، خاصة أنها تتزامن مع فصل الشتاء الذي يجعلها أشد خطورة، إذ تقل مناعة الأفراد، وتعد بيئة صالحة لانتشار الفيروسات، مع زيادة التكدس وعدم تطبيق التباعد الجسدي".