منذ بداية تساقط الثلوج بالمغرب، وسكان الجبال من مداشر وقرى يعانون الأمرين بسبب الطقس البارد جدا وقلة الإمكانيات وعزلتهم عن باقي المناطق، وعدم تمكنهم من التنقل لجلب كل احتياجاتهم والأغراض الضرورية لمعيشتهم اليومية، بل وحتى التطبيب والتعليم.
فعلى الرغم من محاولات السلطات المغربية التخفيف من معاناة ساكني تلك المناطق الجبلية، وإقامة بعض المستشفيات المتنقلة في بعض قراها بأمر من العاهل المغربي الملك محمد السادس في السنوات الماضية، فإن وباء كورونا هذه السنة قد عمق من مأساة السكان، لأن الأطقم الطبية مجندة بالكامل من أجل القضاء على هذه الجائحة، ولا يوجد من يلتفت إلى سكان تلك القرى والبوادي في الجبال المغربية الوعرة، التي تظل وحيدة تقاوم وتواجه مصيرها المحتوم بسبب البرد والثلوج وقلة ذات اليد، والعزلة المفروضة على هذه المناطق مع حلول فصل شتاء من كل سنة.
إسماعيل آيت محند، شاب من مدينة ميدلت، حيث يتواجد في ثنايا الأطلس المتوسط في منطقة بمحاذاة جبل العياشي الذي يبلغ ارتفاعه 3757 مترا، يحكي عن معاناة سكان المنطقة مع الثلوج ويقول لـ"سكاي نيوز عربية": "كل سنة تعيش المنطقة في عزلة تامة بسبب الثلوج والبرد وقلة الإمكانيات، فحتى خشب التدفئة الذي كانت تجلبه النساء من الغابات أصبح من الصعب الحصول عليه، بسبب الحراسة المشددة لمسؤولي إدارة المياه والغابات بالمنطقة، الذين يسعون إلى الحفاظ على الثروة الغابوية في إهمال تام لساكني المنطقة الفقيرة، التي تعيش من الزراعة المعاشية والرعي، والتي لا يمكن لها شراء الخشب بسبب غلاء أثمنته، وتظل بالتالي عرضة للبرد والجوع والتهميش".
ويضيف إسماعيل بكثير من الحسرة والألم، أن معاناتهم هذه السنة مضاعفة بسبب جائحة كورونا، التي فتكت بالعديد من الأرواح حتى في المناطق الجبلية، وعدم تمكنهم من الحصول على العلاجات الضرورية، وبسبب الحجر الصحي وحالة الطوارئ التي فاقمت من معاناة سكان المنطقة، التي كانت تعرف أعدادا كبيرة من السياح، سواء من داخل المغرب أو خارجه في الصيف، وبفضل مدخرات الصيف يتمكنون من قضاء فصل الشتاء في ظروف أقل قساوة من مثيلتها هذه السنة، لأنهم على الأقل كانوا يتمكنون من شراء حطب التدفئة.
فإذا كانت الثلوج ومناظره الخلابة، مبعثا للفرح لهواة الرياضات الثلجية والراغبين في التمتع بها، إلا أنها باتت مبعث حزن ومعاناة حقيقية لسكان المناطق الجبلية بالمغرب، وهو ما عبرت عنه السيدة زازية التي تدير تعاونية للمنتوجات التقليدية في قرية "إمليل" بمنطقة "أزيلال" في منتزه توبقال الجبلي، التي صرحت لـ"سكاي نيوز عربية"، أن الوضع يزداد صعوبة وقساوة في فصل الشتاء، بسبب العزلة التي تعرفها المنطقة بسبب تساقط الثلوج الكثيف، وانقطاع الطرق، "تمضي علينا أيام طويلة ونحن لا نستطيع الخروج ولا التنقل من أجل اقتناء ما يلزمنا، بسبب سُمك الثلوج. نحن نعاني الأمرين ونتكبد خسائر في المواشي وحتى البشر، فمن تحاصره الثلوج ينكن أن يموت في غفلة من الجميع".
وتقول زازية إنها لم تتمكن من بيع منتوجات التعاونية هذه السنة، بسبب جائحة كورونا، وبسبب التساقطات الثلجية التي حالت دون زيارة السياح للمنطقة، وبهذا فهي توجد في ظروف صعبة هي والنساء العاملات بتعاونيتها، وأبرزت أن محدودية المساعدات التي قدمت لهم من طرف السلطات، لا تكفي لتأمين كل الحاجيات الغذائية التي تلزمهم في هذه الفترة من السنة، ولولا مساعدات بعض جمعيات المجتمع المدني التي ترسل الأغطية والملابس والعلف حتى للماشية، لما استطاع السكان مواجهة تداعيات موجات البرد القارس في المنطقة التي تقطنها، والتي تفتقر إلى التجهيزات الأساسية.
منذ منتصف شهر نوفمبر الماضي، والثلوج تغطي الكثير من المناطق الجبلية بالمغرب، البلد الوحيد في المغرب العربي الذي يتوفر على 4 سلاسل جبلية كبيرة هي: سلسلة جبال الريف بالشمال، والأطلس المتوسط والكبير في الوسط حيث توجد أعلى قمة جبلية في المغرب "توبقال" التي يصل ارتفاعها إلى 4167 مترا، والأطلس الصغير في الجنوب، وهي تعد أكبر خزان للمياه في المغرب، وتشكل 26 بالمئة من المساحة الإجمالية للتراب الوطني، تقطن بها شريحة سكانية مهمة تعيش على الزراعة والرعي، وعلى الصناعة التقليدية، وبعضها على السياحة الشتوية كما هو الشأن مع منطقة "أوكايمدن" بضواحي مدينة مراكش، ومنطقة "مشليفن" بضواحي مدينة إفران، ولكن أغلب المناطق الجبلية يعاني سكانها من التهميش ومن غياب العدالة الاجتماعية المجالية، وهو ما حذا بـ "الائتلاف المدني من أجل الجبل"، إلى نقل معاناة السكان للحكومة المغربية بالرباط، وإلى لجنة النموذج التنموي بالمغرب، وهي معاناة لا تمثل التساقطات الثلجية إلا جزءا منها.
ويسعى هذا الائتلاف، الذي انطلق منذ عام 2015 وحظي بدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والذي يضم حوالي 150 جمعية جبلية، كما جاء في صفحته الرسمية على فيسبوك، إلى فك العزلة عن المناطق الجبلية، والترافع من أجل تحسين شروط عيش السكان وتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، خاصة أن "الجبل منتج للثروة البشرية والطبيعية والثقافية، لكن سكانه لا يستفيدوا منها، ولا يزالون محرومون من الخدمات الصحية والتربوية اللازمتين، حيث يعانون من الأمية والبطالة والفقر، وهو وضع بدأ قبل الاستقلال ولا يزال مستمرا إلى الآن رغم تعاقب الحكومات بالمغرب" كما يقول منسق الائتلاف الباحث محمد الديش.
وتجدر الإشارة إلى أن اليوم العالمي للجبال، الذي يحتفل به سنويا كل 11 من ديسمبر، قد خصص هذه السنة للتنوع البيولوجي للجبال، ولضرورة التصدي للتهديدات التي تواجهها.