لو قرر أحدهم أن يكفل طفلًا في مصر، كفالة تامة، بأن يرعاه داخل بيته، ويتخذه كابنٍ له، قد يواجه تحذيرات شديدة بأن فعله ربما يخالف الشرع، فقد تغلغل في الأذهان أن من يربي طفلًا ليس من صلبه، كمن يزرع أرضًا لا يملكها، لكن يبدو أن هذه المفاهيم تتغير تدريجيًا في مصر في هذه الأيام، فماذا يحدث؟

ألف طلب كفالة في 4 أشهر

ينص قانون الطفل على شرعية نظام الأسر البديلة التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، وبدأ استخدامه في عام 1959، ويعتمد على إلحاق الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية خاصة مجهولي النسب بأسر يتم اختيارها وفقاً لشروط ومعايير تتضمن أهلية الأسرة وسلامة مقاصدها لرعاية هؤلاء الأطفال دون استغلالهم في مصالح ذاتية.

وفي العام الجاري صدرت تعديلات بشأن هذا النظام طبقًا لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1143 لسنة 2020. تضمنت السماح لمن لن يسمح لهن الزواج وبلغن من العمر ما لا يقل عن ثلاثين عامًا بكفالة الأطفال، إذ توافرت بهن الشروط اللازمة.

وعلى إثر تلك التعديلات، تلقت وزارة التضامن الاجتماعي، نحو ألف طلب كفالة أطفال خلال 4 شهور فقط منذ تطبيق التعديلات الأخيرة على اللائحة التنفيذية، وهو  العدد الأكبر من نوعه في تاريخ مصر.

لم تكتفي الوزارة بذلك، بل بدأت في عقد دورات تدريبية للأسر البديلة في أغلب المحافظات بالتعاون مع جمعيات أهلية، لكسر الصورة النمطية عن كفالة الأطفال، وتأهيل من سيسمح لهم بالكفالة.

أخبار ذات صلة

"القارب المنكوب".. الأمواج تلقي جثث مصريين بينهم أطفال

زيادة الوعي المجتمعي بالأسر البديلة

وخلال هذا العام، ظهرت أكثر من جمعية أهلية تدعم فكرة "الأسر البديلة" في مصر، من بينها مؤسسة "يلا كفالة"، التي بدأت عملها منذ خمسة أشهر.

مدير العلاقات العامة بالجمعية إيمان السيد، توضح أن الجميعة تسعى لزيادة الوعي المجتمعي بأهمية الأسر البديلة، وأثرها على المجتمع، وإن هناك حلم يسيطر على جميع أعضاء "يلا كفالة" بأن يأتي يوم تكون دور رعاية الأطفال فارغة تمامًا، بأن يحصل كل طفل فيها على أسرة تقدم له الرعاية اللازمة.

أوضحت: "تأسست "يلا كفالة" على يد رشا مكي، وهي أم كافلة لطفل، ومن قلب تجربتها، أرادت أن تنتشر الأسر البديلة في مصر، وأن تنتهي الأفكار المضللة التي تعيق البعض من أخذ خطوة كفالة الأطفال".

وأوضحت السيد، أن المؤسسة أطلقت "أول موقع إلكتروني لكفالة الأطفال في مصر" يقدم كل المعلومات الخاصة بنظام الأسر البديلة، بدايًة من الشروط الواجب توافرها لدى من يرغب في كفالة طفل، وكيفية تعامل الأسر البديلة مع الأطفال.

كما يعرض الموقع قصصًا لأسر بديلة لتشجيع المقبلين على تلك الخطوة، وبيان مدى التجاوب المجتمعي معها في الشهور الأخيرة.

وتقول السيد إن المؤسسة تنظم لقاءات أسبوعية تجمع الأسر البديلة بخبراء تربويين ونفسيين، لزيادة قدرتهم على التعامل مع الأطفال المكفولين، وتحصينهم من أي رد فعل سلبي.

أخبار ذات صلة

تجربة معلول وساسي ألهمت كثيرين.. تونسيون يغزون الدوري المصري

تجربة أم كافلة

السيدة ياسمينة الحبال، أو "أم غالية" كما تحب أن تنُادى تروي لموقع "سكاي نيوز عربية" أنها كانت تكفل طفلتين، فور تخرجها من الجامعة، لكن مع بقائهما داخل دار رعاية حتى وصولهما إلى المرحلة الجامعية حاليًا، مؤكدة أنها كانت تتمنى أن تكفل طفلًا كفالة تامة، وأن ينتقل للعيش معها لولا المحاذير القانونية والمجتمعية والشرعية.

وجاءت تعديلات الأخيرة على نظام الأسر البديلة في صالح ياسمينة، حيث أتاح  لمن لن يسمح لهن الزواج وبلغن من العمر أكثر من ثلاثين عامًا بكفالة الأطفال، إذا توافرت بهن الشروط اللازمة.

على إثر ذلك، قدمت ياسمينة أوراقها إلى وزارة التضامن الاجتماعي، وأجرت مقابلة مع لجنة تضم ممثلي الأزهر الشريف ووزارتي التضامن الاجتماعي والصحة، لآخذ قرار نهائي حول إمكانية كفالة طفل من عدمها، لتقر اللجنة بقدرتها بأن تكون أم كافلة.

صدمة موت الأبوين

وأضافت: "عند سؤالي في اللجنة إذ رفض أحد المتقدمين للزواج مني في المستقبل وجود طفلة متبناة معي، أوضحت أن الشخص الذي يرفض كفالة الأطفال لا يناسبني على أي حال".

وقالت إنها كانت ترغب في كفالة طفلة لا يتجاوز عمرها الثلاثة أشهر، وهو السن الذي تبدأ فيه إمكانية انتقال الطفل من دور رعايته إلى أسرة بديلة، لتقوم بالتواصل مع دور رعاية الأطفال في جميع محافظات مصر، حتى تمكنت من الوصول إلى "غالية" في دار أيتام بمحافظة السويس، شرق البلاد.

وأكدت أن صفحات الجمعيات المهتمة بكفالة الأطفال، على منصات التواصل الاجتماعي، ساعدتها على التواصل مع غيرها من الكافلات، لمشاركة تجاربهم سويًا، ومساعدتها في التعرف على دور رعاية مختلفة.

وعن موقف أسرتها من التبني أكدت أنها في البداية لم توافق على رغبتها في كفالة طفل، خوفًا عليها من رد فعل المجتمع أو أن تكون ابنتها عاقبة تحول بينها والزواج، لكنها أصرت على كفالة "غالية"، مهما كانت النتائج المترتبة على قرارها.

واستطردت: "لم أكن أهتم برد فعل المجتمع على قراري، بل كان يشغلني فقط أن أتمكن من توفير الحب والرعاية الكافيين للطفلة، وأن أجعلها قوية تستطيع مواجهة المجتمع دون خوف".

وأكدت أن لقب "single mother" أو "الأم الوحيدة" لا يزعجها، بل تعتبره يوضح مدى صعوبة قيامها بدوري الأب والأم معًا، خلال رحلة تربيتها لغالية.

وختمت: "أحاول من خلال صفحة أطلقتها، عبر موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، مشاركة الجمهور قصتي مع غالية، لتكن دافعًا لغيري لتكرار التجربة، فأحلم أن يزداد عدد الأسر البديلة في مصر، مما يسهل تقبل المجتمع لأطفالنا المكفولين في المستقبل".

أخبار ذات صلة

"جزار البشر".. أستاذ جامعي مصري متهم بـ"تجارة الموت"

رأي الشرع

وردًا على إدعاءات البعض بحرمة الكفالة التامة للأطفال، يوضح الدكتور أحمد ترك من علماء الأزهر الشريف، أن الدين الإسلامي يحرم التبني بأن ينسب الطفل إلى أب وأم ليس من نسلهما، وأن يرث منهما، لكن في المقابل الإسلام يعظم من قيمة الكفالة التامة للأطفال، موضحًا أن التبني والكفالة يحملان نفس الفكرة، لكن الكفالة تضع شروطًا تناسب الدين الإسلامي وقواعده.

وأضاف ترك لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الربط الخاطيء من البعض بين التبني والكفالة، خلق حالة من الخوف لدى من يرغب في ضم الأيتام والأطفال بلا مأوى لبيته وجعله فردًا من أسرته، مؤكدًا أن الأزهر الشريف يحاول خلال العقود الأخيرة إزالة الضباب المحيط بتلك القضية التي من شأنها إنقاذ أطفال ربما يكونوا كوادر ناجحة في المستقبل، تفيد المجتمع وترتقي به.

وفي السياق ذاته، يوضح ترك أن الإسلام يحرم أن يرث الابن المكفول من أسرته البديلة، لكن يتيح للأسرة أن تقدم له أي مبلغ تريده خلال على سبيل الوصية أو الهبة قبل وفاتهم، أو بكامل إرادتهم خلال حياتهم.

كما يؤكد أن الإسلام يشترط فقط قدرة الأسرة على كفالة الطفل، من حيث القدرات المادية والنفسية، وهذا ما توفره شروط نظام الأسر البديلة في مصر، لضمان قدرة الشخص على كفالة طفل ورعايته.