على مدار أيام عكف الخبير الفرنسي في مجال تصنيع الساعات فرانسوا سيمون، على الصعود إلى الطابق الرابع في برج مسجد محمد علي في قلعة القاهرة، لفحص الساعة الدقاقة التي تعود صناعتها إلى عام 1845، في مهمة صعبة تهدف إلى إعادة تشغيلها مرة أخرى.
بدقة شديدة انهمك سيمون في عمله وسط عقارب الساعة الأثرية والماكينة الخاصة بها، يأمل في التوصل لأسباب العطل بعد تاريخ الإصلاحات التي انتهت بالفشل خلال أزمنة سابقة، وفقا لحديث رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية أسامة طلعت لموقع "سكاي نيوز عربية".
والأسبوع الماضي أرسلت فرنسا سيمون، أحد أبرز خبراء تصنيع الساعات لديها، بناء على طلب من وزارة السياحة والآثار المصرية، لفحص الساعة المهداة من ملك فرنسا حينذاك لويس فليب إلى مصر في عهد محمد علي باشا منذ 175 عاما.
وتقع الساعة داخل برج معدني بصحن مسجد محمد علي في قلعة صلاح الدين بالقاهرة، وأُرسلت إلى محمد علي باشا ردا على إهدائه مسلة رمسيس الثاني التي كانت قائمة أمام معبد الأقصر إلى فرنسا، لتزين ميدان "كونكورد" في باريس حتى الآن.
ويوضح طلعت أهمية تلك الساعة، قائلا: "هي أول ساعة دقاقة في تاريخ مصر، تعمل بنظام فريد ولا يوجد نسخ منها في دول العالم، وإعادة الحياة إلى أجراسها سيمنح القلعة سحرا خاصا".
ويتابع رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية: "وقع الاختيار على انتداب خبير فرنسي لأنه ينتمي إلى الدولة المصنعة للساعة، فضلا عن سيرته الذاتية المهمة في هذا المجال. شعرنا بحماسه تجاه التجربة عند حضوره إلى القاهرة".
ويؤكد طلعت الذي التقى الخبير الفرنسي خلال أداء عمله داخل القلعة، على إنهاء سيمون للمهمة الأولى التي جاء من أجلها وهي فحص الساعة، والمؤشرات الإيجابية التي تحدث عنها بعد الاطلاع على الماكينة والأجراس وكافة متعلقاتها.
ويضيف المسؤول المصري: "غادر الخبير الفرنسي القاهرة وسيدوّن كافة ملاحظاته وتوصياته بشأن الساعة العتيقة، ويرسلها في تقرير مفصل إلى وزارة السياحة والآثار خلال أيام لاتخاذ القرار المناسب للخطوة المقبلة".
وعن قدوم الخبير الفرنسي إلى القاهرة بعد 6 أشهر من بدء مشروع تشغيل الساعة الأثرية، يقول طلعت: "جرت عمليات تنظيف للساعة من خلال فريق متخصص تابع للإدارة المركزية للترميم، واستغرقنا بعض الوقت في التنسيق مع فرنسا للاستقرار على الموعد المناسب لمجيء الخبير للقاهرة".
ويوضح طلعت أن "العمل سار بوتيرة مناسبة رغم انتشار فيروس كورونا المستجد في العالم. الوزارة ظلت ملتزمة بإتمام خطتها في مسجد محمد علي مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية والوقائية".
وينظر طلعت إلى اهتمام الدولة المصرية ببث الروح في الساعة الأثرية في القلعة، على كونها "رغبة في إظهار آثار القاهرة الجميلة التي يعيش ملايين السكان حولها".
وتواصل موقع "سكاي نيوز عربية" مع سيمون للتعرف على انطباعه عن المهمة التي امتدت لعدة أيام في القاهرة داخل برج الساعة في قلعة صلاح الدين الأيوبي، لكن لم يتسن له الرد بسبب انشغاله بإعداد التقرير للحكومة المصرية.
وتطرق أستاذ الآثار الإسلامية في جامعة عين شمس محمد حسام الدين، إلى قصة تشييد مسجد محمد علي وتدشين البرج والساعة اليدوية، في كتابه "وجه مدينة القاهرة من ولاية محمد علي حتى نهاية حكم إسماعيل"، لكونها واحدة من أهم العلامات المميزة في ذلك العصر.
ويذكر حسام الدين لموقع "سكاي نيوز عربية": "كانت إحدى عجائب ذلك الزمان، أول ساعة توضع داخل مسجد. يراها الناس من كافة المناطق المحيطة بالقلعة وتتملكهم الدهشة من علوها وصوت أجراسها التي تدق في مواعيد الصلاة. تفاصيل غير اعتيادية على المجتمع في هذا التوقيت".
ويضيف حسام الدين: "شيء رائع إمكانية إعادة تشغيلها. أعتقد أن إصلاحها خطوة كبيرة لكونها أثر بالغ الأهمية وتوجد في أهم منطقة في القاهرة".
وتسعى وزارة السياحة والآثار المصرية إلى تشغيل الساعة الأثرية منذ يونيو الماضي، ضمن عدد من الإجراءات لتطوير وترميم مسجد محمد علي، بإشراف من الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار مصطفى وزيري.
وأكد وزيري، في فيديو على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك" خلال تجوله داخل برج الساعة، أن "قيمتها تضاهي أشهر الساعات في العالم مثل ساعة بيغ بن في لندن".
وأشار الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار إلى أن المجلس يولي أهمية بإعادة تشغيل الساعة الدقاقة، والتعرف على أسباب العطل في ماكينتها لتغييرها بنوع حديث، أو إيجاد حل لتصليحها.
وقال وزيري خلال تفقده الطابق الرابع حيث توجد الساعة: "نتمنى عند التمكن من تشغيلها أن تستمر في العمل لفترة طويلة، لأنها خضعت من قبل لثلاثة محاولات لتنقيح عيوبها من دون جدوى".
وكانت وزارة السياحة والآثار أطلقت جولة افتراضية في عدد من المناطق السياحية من بينها مسجد محمد علي، بتقنية المسح الواقعي ثلاثي الأبعاد، عقب تفشي "كوفيد 19"، بحيث يمكن مشاهدة أنحاء المكان سواء في الداخل أو في صحن الجامع أو إلقاء نظرة على برج الساعة، في مبادرة للتعامل مع فترة الإغلاق وبقاء الجميع في منازلهم.
ومن المتوقع أن يعود الخبير الفرنسي إلى القاهرة بعد إرسال تقريره حول الساعة، للانتهاء من باقي مهامه عند ثبوت إمكانية تصليحها، كما تؤكد المشرفة على المراكز العلمية بقطاع الأثار أمل محفوظ لموقع "سكاي نيوز عربية".
وتنفي السيدة المتخصصة في عصر أسرة محمد علي، ما أُشيع حول إصابة الساعة بالعطل منذ تركيبها، مشددة على أن عددا من الرحالة دونوا عن سماعهم صوت أجراسها من مسافات بعيدة بعد سنوات عديدة من وضعها في مكانها بالقلعة.
وتروي المسؤولة أسباب العطل في الساعة، قائلة: "وقعت مشكلة في الساعة نتيجة عدم الصيانة الدورية للأجزاء الميكانيكية فيها بعد سنوات من العمل، مما أدى إلى وقوع خلل بها وتوقفها".
وظلت الساعة على حالها من دون أن تدق أجراسها حتى يوليو 1943، وفقا لأمل محفوظ، حتى توقف أمامها الملك فاروق أثناء زيارة لمسجد محمد علي، واستفسر عن سر تركها من دون أن تعمل طوال تلك المدة.
وتستطرد المشرفة على المراكز العلمية بقطاع الآثار: "أخبره المسؤولون باستحالة تصليحها، فأصدر قراره بتفكيكها وإنزالها من مكانها وإرسالها إلى قصر عابدين لفحصها في ورشة القصر الخصوصية، وإيفاد خبير أجنبي للنظر في أمرها".
وتابعت: "لم تنجح المحاولة وبرز اقتراح باستبدالها بساعة كهربائية حديثة، غير أنه لم يجد ترحيبا لدى الملك فاروق".
وفي عام 1984 دبت الحياة في الساعة بعد لجوء السلطات المصرية حينها إلى خبير أجنبي، وأعيد تركيب القطعة الأثرية عقب تصليحها لتحدث المفاجأة السارة بعودة أصوات الأجراس وحركة العقارب.
لكن تلك الحالة لم تدم كثيرا، فبعد 3 أيام فقط استيقظ الجميع على توقف الساعة الدقاقة من جديد، وفقا لأمل محفوظ، ثم "أتت الإجراءات الأخيرة من وزارة السياحة والآثار ضمن خطوات عدة وصفتها بـ "الصحوة" في مجال الآثار.