داخل محل ضيق مخصص للمراهنات الرياضية الإلكترونية في تونس، وتحت ضوء خافت أقرب إلى الظلمة، يقف حسام ب. ع، وهو من الذين استهوتهم المراهنات الافتراضية، مع عدد من أصدقائه في انتظار الإعلان عن نتائج بعض مباريات دوري أبطال أوروبا وسباقات الخيل التي اختار المراهنة عليها أملا في الفوز بمبالغ مالية يتسلمها مباشرة من صاحب المحل في حال تطابقت تكهناته مع نتائج المباريات.
وأصبحت محلات المراهنات الإلكترونية الخاصة بمباريات كرة القدم وكرة المضرب وسباقات الخيل قبلة للآلاف من الشبان في تونس من بين الحالمين بالثروة والذين يقضون ساعات طويلة وهم يتفحصون أوراق المباريات التي يجري الرهان عليها ثم يحددون اختياراتهم في انتظار الإعلان عن النتائج والحصول على الأرباح عند الاهتداء للتكهنات الصحيحة.
يقول حسام (25 عاما) لـ"سكاي نيوز عربية": "دأبت على هذه اللعبة منذ 3 سنوات تقريبا، في البداية أخفيت الأمر عن والدي لرفضهما انخراطي في هذه الظاهرة ولكن حالة البطالة التي أعيشها منذ سنوات هي التي تدفعني إلى البحث عن تأمين نفقاتي اليومية من خلال لعبة المراهنات سواء في مباريات كرة القدم في أوروبا أو سباقات الخيل".
ويضيف الشاب قائلا: "ابتسم لي الحظ أكثر من مرة في السابق ولكن المبالغ التي أغنمها عادة ما أنفقها من جديد على اقتناء قصاصات المشاركة مع أصدقائي، الأمر أصبح بمثابة النشاط الروتيني الذي لا غنى عنه بالنسبة إلي وذلك بحكم حالة البطالة، قد أنقطع عن المراهنات الإلكترونية عندما أعثر على مورد رزق قار".
وأمام احتداد الأزمة الاقتصادية في تونس وغلاء المعيشة وارتفاع معدلات البطالة، يجد الكثير من الشباب، خاصة من العاطلين عن العمل، ضالتهم في مواقع الإنترنت المتخصصة في الرياضة مثل "بي وين" و"بلانات" و"روليت" وغيرها من المواقع التي تجتذب الآلاف من الزبائن يوميا فيما يهرع عدد آخر نحو سباقات الخيل التي تبث نتائجها مباشرة على القنوات التلفزيونية.
من جهته، يقول محمد الصغير (39 عاما) إن "مواقع المراهنات الإلكترونية استهوته منذ نحو 3 سنوات، الأمر كان في البداية مجرد هواية مارسها بشكل غير منتظم بسبب ولعه بكرة القدم الأوروبية ولكنه صار ينقق ما يقارب 30 دينارا (12 دولارا) أسبوعيا في هذه الألعاب بغاية تحسين مستوى دخله في ظل محدودية الأجر الشهري".
وتقوم اللعبة أساسا على اختيار عدد من المباريات الرياضية وخاصة في كرة القدم والتكهن بنتائجها أو بعدد الأهداف المسجلة على أن يحصل المتراهن الذي يهتدي إلى التكهن الصحيح على أضعاف المبلغ الذي دفعه، وعادة ما يتسلم المرابيح إما من صاحب المحل المعد للمراهنات أو من خلال السحب ببطاقة بنكية.
وتشير بعض التقارير غير الرسمية إلى أن نحو 500 ألف تونسي يمارسون الرهان الرياضي الإلكتروني، فيما لم يتم تحديد عدد المحلات التي تنظم هذه الألعاب نظرا لكونها مخالفة للقانون وتعد من المصادر التي تستنزف العملة الصعبة.
وتعمل السلطات في تونس على تعقب الكثير من محلات الرهان التي تعتبرها محلات موازية وغير خاضعة للشروط التي تنظم ألعاب المراهنات وقد أثرت سلبا على إيرادات شركات رهان قانوني وخاضعة لإشراف وزارة الرياضة مثل "برومسبور" وهي إحدى المسابقات المعتمدة قانونيا والتي توفر أرباحا مالية هامة للدولة لكنها تراجعت في السنوات الأخيرة بسبب غزو مواقع الرهان الافتراضي.
وتقوم لعبة "برومسبور" على التكهن بنتائج 13 مباراة من مختلف دوريات كرة القدم في أوروبا في نهاية كل أسبوع على أن تمنح المتراهن عددا من الخيارات لضمان أوفر حظوظ الفوز، وتحصل الشركة على نسبة تناهز 50 بالمئة من إجمالي الإيرادات والتي تذهب عادة لوزارة الرياضة ووزارة المالية.
أما اللعبة الثانية المعتمدة قانونيا فهي سباقات الخيل التي تقوم على التكهن بنتائج سباقات الخيول في فرنسا والحصول على النتائج بصفة يومية ويمارسها نحو 40 ألفا من التونسيين يوميا فيما تحصل وزارة المالية على ما يناهز 36 بالمئة من المداخيل الإجمالية.
ويعتبر أستاذ علم الاجتماع، سنيم بن عبد الله أن "المراهنات الإلكترونية تدور أساسا حول سطوة المال وقيمته في حياة التونسيين أساسا ولا سيما في السنوات الأخيرة مما يدفع الكثيرين إلى البحث عن توفير المال بكل الطرق".
ويفسر بن عبد الله الإقبال الكبير على هذه الألعاب بقوله: "فئة كبيرة من التونسيون لا تثق في العمل لتغيير واقعها المعيشي الصعب ومن هنا أصبح الرهان الإلكتروني ملاذها الأول للوصول إلى الثروة، كما أن هذا النشاط صار مظهرا من مظاهر الحداثة لدى الكثيرين حتى أن البعض يتظاهر به في المواقع الإجتماعية أو في حياته اليومية".
ويضيف قوله: "يصل البعض إلى الإدمان وهي حالة تعكس بوضوح الرغبة في التخلص من الواقع الصعب واختزال مسافات الربح المادي وذلك بالنظر إلى تردي أوضاعهم الإجتماعية والاقتصادية".