لا شك أن الحدث الأهم في القرن العشرين سُجِلَ في ولاية فلوريدا الأميركية وتحديدًا في قاعدة جون إف كينيدي في المحطة الجوية كيب كانافيرال في جزيرة ميريت جنوب شرق هذه الولاية، عندما انطلقت أول رحلة فضائية تكللت بالنجاح من كوكب الأرض إلى سطح القمر.

أخبار ذات صلة

بعد انتظار عام.. "هايابوسا 2" تقترب من الأرض "بالحمل الثمين"

وكان هذا المكان الوجهة الأولى لكل من يحلم باختبار عالم الفضاء عن قرب والتعرف على تاريخه وسبر أغواره واستشراف المستقبل وربما أيضاً التمكن من الوصول إليه عبر مركبة فضائية يوماً ما.

مركز جون أف كينيدي للفضاء التابع لوكالة الفضاء الأميركية ناسا هو أكبر المراكز المتخصصة في إطلاق الرحلات المأهولة وغير المأهولة إلى الفضاء، ويتم فيه تطوير وهندسة الصواريخ الفضائية. أما مجمع الزوار في المركز الذي افتتح عام 1971، فلطالما كان مقصدًا لعدد هائل من السُّياح من داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها، حيث يتجاوز عددهم المليون في كل عام.

عن هذا المكان المذهل نتحدث في هذا المقال، فهو يحمل قلب ناسا، والجزء الأهم من الرحلات المكوكية نحو العوالم المجهولة، بالإضافة طبعاً للإنجاز التاريخي العظيم الذي حققته الولايات الأميركية المتحدة قبل أكثر من خمسين عاماً في هذا المجال.

في 20 يوليو 1969، حبس العالم أنفاسه بينما وضع رجل واحد قدمه على سطح القمر. والآن تقبع مركبة الفضاء أبولو11 “Apollo11” التي حملت هذا الرجل وهو رائد الفضاء الأميركي نيل أرمسترونج في مجمع الزوار في مركز جون أف كينيدي للفضاء في قاعدة كيب كانافيرال ليتمكن الزوار من مشاهدة تلك المركبة بأم العين.

هذا المكان يحمل روح برنامجApollo /Saturn V، وفيه أيضاً صاروخ Saturn V Moon الضخم الذي حمل المركبة إلى القمر والذي يبلغ ارتفاعه 363 قدمًا، الذي حمل المركبة المأهولة لبرنامج أبولو 11 إلى الفضاء، بكل تفاصيله من المحركات الصاروخية الخمسة ومرحلة الاحتراق الأولى وحتى كبسولة العودة.  كما أن المكان يجمع أدلة جيولوجية لصخور وأتربة جلبها رواد الفضاء معهم من سطح القمر إلى الأرض.

أخبار ذات صلة

بالفيديو.. الصين تطلق مسبارا لجمع عينات من القمر

على مدخل مجمع الزوار، يستقبلك مجسم للرئيس الأميركي الأسبق جون أف كينيدي وعبارته الخالدة: "نحن اخترنا الذهاب إلى القمر". كينيدي هو الرئيس الذي أخذ زمام المبادرة وفتح أبواب السماء واسعة أمام "NASA” ، داعماً  تصريحه الشهير بالتزامات مالية ضخمة، رافعاً ميزانية ناسا بنسبة 89 في المائة عام 1961، وبنسبة 101 في المائة أخرى في العام التالي قبل أن يتم اغتياله عام 1963 قبل سنوات قليلة من تحقيق إنجاز Apollo 11.

وفي حديث إلى نيك توماس، الذي يعمل في المركز منذ العام 1987، ومهمته إطلاع الزوار على عمليات المعالجة والرحلات لمكوك الفضاء. يقول لسكاي نيوز عربية: "بدأ شغفي ببرنامج الفضاء منذ مشاهدة عمليات الإطلاق الأولى من الفناء الخلفي لمنزلي في "ديتونا بيتش" وبعدها جئت للعمل في مركز كينيدي للفضاء واليوم مهمتي مساعدة رواد الفضاء في العروض التقديمية".

يضيف: "هنا نعرف الزوار على للرحلات المكوكية وكم العمل الهائل الذي تطلّبه هذا البرامج لتصبح حقيقة، ونقدم لمحة عن سباق الفضاء في ستينات القرن الماضي، وهو الذي سرّع عجلة البحث والتخطيط لزيارة القمر بطاقم بشري، وبالتأكيد نتذكر التضحية الكبيرة التي قدمها طاقم "أبولو واحد" الذي فقد أفراده الثلاثة حياتهم بسبب حريق حدث في قُمرة القيادة أثناء محاكاة لعملية الإقلاع في العام 1967".

يتابع: "هنا يتم عرض معلومات ومقاطع تصويرية قصيرة لبرنامج أبولو وصولاً إلى النجاح العظيم في الهبوط على سطح القمر. وفي هذا المكان أيضاً توجد "غرفة التحكم" بكامل معداتها وأجهزة اتصالها وشاشاتها، وهي الأدوات ذاتها التي مكَّنت من التواصل بشكل مباشر مع رواد الفضاء على متن المركبات الفضائية خلال رحلاتهم إلى القمر وعند هبوطهم على سطحه".

حديقة الصواريخ الفضائية

أخبار ذات صلة

لأول مرة منذ السبعينيات..الصين تستهدف منطقة القمر "المجهولة"

في الساحة الأمامية لمجمع الزوار في مركز جون أف كينيدي للفضاء، تقف هياكل حقيقية ومجسمات لمجموعة مميزة من صواريخ الفضاء التي استخدمتها وكالة ناسا في برامجها بدءًا بحمل أول الأقمار الصناعية، إلى تلك الصواريخ التي حملت البشر إلى مدارٍ حول الأرض، ومن ثم بعيدًا في الرحلات نحو عوالم أخرى. وإلى يمين الصواريخ توجد ثلاث كبسولات يمكن للزائر اختبار الجلوس بداخلها، وهي الكبسولات نفسها التي مكّنت رواد الفضاء من العودة إلى الكوكب الأم بسلام وأمان.

الرحلات المكوكية  Apollo

تتوزع في المركز العديد من الحُجرات الزجاجية التي تحتوي داخل جدرانها نسخًا طبق الأصل عن المُعدات التي حملها الإنسان معه إلى القمر وأهمها عربة الجر اليدوية والعربة الآلية التي رافقت طاقم الرحلة Apollo 15 إلى القمر في العام 1971. وكانت ذات جدوى كبيرة للطاقم حيثُ مكنته من التنقل على سطح القمر بعيدًا عن وحدة الهبوط.

وفي المكان نفسه قسم يضم كل أصناف بزات الفضاء التي اعتمدتها وكالة ناسا في تاريخها، مرتبة حسب الأقدمية، لتتيح للزائر ملاحظة التطور الذي حل عليها من حيث الشكل والمواد المستخدمة في تصميمها والتي جعلتها أكثر ديناميكية، وهناك شرح مفصل للمواصفات التعبوية لكل بزة.

وفي حجرة أخرى هناك بعض المواد التي عادت بها رحلات أبولو من سطح القمر وهي محفوظة بعناية ضمن مجسمات زجاجية سميكة، وفي مكان مجاور تقبع كبسولة الرحلة أبولو 14 "Apollo 14" الحقيقية، مع صور انتشالها من جنوب المحيط الهادئ. وتتوزع في المكان العديد من الهياكل التي تحاكي وحدة الهبوط القمرية والمسابر التي ساهمت في إنجاح رحلات أبولو وكذلك جزء طبق الأصل من محطة الفضاء سكايلاب skylab التي كانت نشطة حينها وساهمت أيضًا في تلك الرحلات.

أخبار ذات صلة

بريطانيا تكشف عن أكبر استثمار عسكري منذ نهاية الحرب الباردة

يحدثنا سكوت وندرسون الذي يزور المكان لأول مرة فيقول: "المركز يقدم نظرة من وراء الكواليس إلى عالم رواد الفضاء من خلال المعارض التفاعلية والمحاكاة والجولات المصحوبة بمرشدين. قمنا بجولة في الحافلة الأسطورية التي نقلت رواد الفضاء قبل خمسين عاماً إلى موقع الإطلاق، والاستمتاع بتجربة إطلاق المكوك، وتجربة تدريب رواد الفضاء، والتي نختبر شعور رواد الفضاء عند انطلاق المركبة".

وكما كان مركز كينيدي للفضاء المكان الذي انطلق منه الإنسان إلى القمر، كان كذلك المكان الأول الذي انطلقت منه الرحلات المكّوكية لبرنامج مكوك الفضاء الأميركي "Space Shuttle program".

مكوك أتلانتس العظيم

هنا يطالعك المجسّم البرتقالي الضخم للصاروخ العملاق الذي يمثِّل آلية رفع المكوك خارج الغلاف الجوي للأرض والذي اعتمدته وكالة ناسا في رفع كل رحلاتها، يتألف هذا الصاروخ من ثلاثة أجزاء، هذا الجسم البرتقالي العملاق هو خزان الوقود الذي يحتوي الهيدروجين والأوكسجين بالحالة السائلة ويزوّد محركات المكوك الثلاثة بالوقود اللازم لتشغيلها، ويتموضع على هذا الخزان مكوك الفضاء واثنان من الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب والتي ترفع كل الجسم عند إقلاعه من على منصة الإطلاق.

هذا الصاروخ البرتقالي العملاق موجود في مجمع زوار ناسا، وتحديداً امام المبنى الذي يحوي مكوك الفضاء العظيم أتلانتس Atlantis . وعظمة أتلانتس تكمن بكونه زار الفضاء 33 مرة وعاد سالماً غانماً ومكللاً بالنجاح بعد كل رحلاته الطويلة والشاقة.

أخبار ذات صلة

تهانينا أنتم في الخارج! مغامرة فضائية روسية بالمحطة الدولية

 Atlantis بدأ بمهامه في 3 أكتوبر عام 1985 وختمها في 21 يوليو عام 2011، عندما هبط بسلام على مدرجِ مركز كينيدي للفضاء. ومن ثم تم نقله إلى هنا حيث يبدو محمولاً على عوارض حديدية ضخمة-بشكل أفقيٍّ مائل-ليتمكن الزوّار من رؤية كامل أجزائه وخاصةً الجزء العلوي منه وهو الجزء الذي ينفتح على مصراعيه الكبيرين حين يكون في الفضاء الخارجي ويطلق حمولته من مركبات فضائية أو أقمار صناعية أو تلسكوباتٍ عملاقة، وهو هنا مفتوح الأبواب العلوية ليرى الزوار تفاصيله الداخلية.

في جانب قريب من المكوك أتلانتس، وضعت قمرة القيادة الخاصة به، ليتمكن الزوار من التجوّل داخلها والجلوس على مقاعدها وملامسة أزرارها التي لا تُعد ولا تُحصى، وكذلك تحريك مقود الهبوط والنظر إلى الشاشات المتعددة التي كانت تُقدم أدق المعلومات لطاقم المكوك ليتمكن من إنجاح المهمة والعودة بسلام إلى الأرض.

تشالنجر وكولومبيا وذاكرة النكبات المكوكية

لا يمكن الحديث عن أتلانتس دون الحديث عن المكوكين المنكوبين الذين سبقاه، كولومبيا وتشالِنجر. حيثُ بدا الجناح المخصص لهما مزيناً بصور ومقتنيات شخصية لرواد الفضاء الذين رحلوا وهم على متنهما عند الانفجار في حادثتين مؤسفتين. حيث قضى سبعة منهم في انفجار المكوك تشالنجر في العام 1986، بعد أقل من دقيقتين من إطلاقه، إذ تناثر المكوك في سماء مركز كينيدي للفضاء أمام أعيُن مئات المشاهدين الذين كانوا يرقبون عمليه الإطلاق ببهجةٍ قبل أن تحدث الكارثة.

أما مكوك كولومبيا الذي حمل على متنه سبعة رواد فضاء فقد تحطم أيضاً في حادثة مُشابهة، ولكن حدث ذلك أثناء عودة المكوك من مهمته في العام 2003، إذ تحطَّم أثناء دخوله الغلاف الجوي للأرض، وقضى فيه كل أفراد الطاقم.

الرحلة إلى المريخ

إن كنت منبهراً بإمكانية استكشاف كوكب المريخ. فيمكنك التعرف على خطط وكالة ناسا لاستكشاف الكوكب الأحمر القابع في الفضاء السحيق، إذ يسلط الجناح الخاص بهذا الكوكب الضوء على ما يحصل الآن في ناسا والخطط والآليات والمركبات التي يتم اختبارها لتسير على سطح هذا الكوكب ومنها Rover Vehicle Navigator أوMRVN .

أما إذا كنت تريد أن تشهد بأم العين عملية إطلاق صاروخ من المحطة فما عليك إلا التوجه إلى المكان في الخامس من ديسمبر، حيث من المقرر أن تطلق سبيس إكس صاروخ فالكون 9 من مجمع الإطلاق في المركز.

إجراءات للوقاية من كورونا

أخبار ذات صلة

كبسولة "سبيس إكس" المأهولة تلتحم بمحطة الفضاء الدولية

في مجمع زوار مركز كينيدي للفضاء، يحصل الزوار على فرصة نادرة للقاء رواد فضاء مخضرمين في وكالة ناسا. ويتحدث القادة والطيارون والمتخصصون مع الناس، وينقلون لهم تجاربهم في الفضاء، أثناء عرض تقديمي مباشر وجلسة أسئلة وأجوبة، تمكن الحضور من طرح أي سؤال يخطر ببالهم.

إلا أن إجراءات السلامة المتعلقة بوباء COVID-19 جعلت التدابير المتخذة هنا أكثر صرامة، وقلصت من بعض الأنشطة المرافقة للزيارة ومنها على سبيل المثال تناول العشاء مع رائد فضاء أو التقاط الصور التذكارية معه.

ولو أن فحوصات درجة الحرارة إلزامية لجميع الموظفين والعاملين والضيوف، والتعقيم والتطهير يتم على مدار الساعة، إلا أن جميع المسارح والعروض المسبقة مفتوحة بقدرة محدودة جداً لتعزيز التباعد الاجتماعي.

أراضي مركز كينيدي للفضاء محمية طبيعية

زيارة هذا المكان لا يمكن اختصارها بكلمات أو بمقال واحد، فهناك الكثير للحديث عنه واختباره، ما يطيل الحديث وقد يحتاج إلى حلقات عدة، فهناك أيضاً قاعة مشاهير رواد الفضاء في أميركا، وهي تقدمة من شركة بوينغ يتم فيها تكريم رواد الفضاء والعلماء.

هناك أيضاً جناحاً خاصاً يعرض أهم الكائنات الحية التي تعيش فوق أرض المركز، أي على جزيرة ميريت جنوب شرق فلوريدا. علماً أن أراضي الجزيرة هي أراضٍ محمية ويمنع الصيد أو القنص فيها، بموجب مجموعة قوانين لحماية الطبيعة أطلقتها وكالة ناسا على أرض المركز التي تبلغ مساحتها أكثر من 144 ألف فدّان (582.7 كم2)، مما وفّر بيئةً آمنةً لمجموعةٍ لا بأس بها من الكائنات الحيّة وتحديدًا التماسيح والضفادع وحيوانات الراكون والسلاحف المائية والأفاعي والخنازير والسناجب وغيرها، إضافةً إلى مجموعة متنوعة جدًا من الطيور.

فليكن التذكار نيزكاً

أخبار ذات صلة

نيزك سقط في إفريقيا يقدم كشفا "مدهشا" عن المريخ

لا يمكن مغادرة هذا المكان دون زيارة قسم التذكارات والاحتفاظ بتذكارٍ ولو صغير. قد يكون التذكار مجسّماً لمركبة فضائية أو مكوك، أو كوباً يحمل رسمًا لشعار وكالة ناسا أو صوراً لرواد الفضاء في رحلات متعددة، أو حتى يمكنك أن تشتري نيزكاً، بأحجام وأشكال متنوعة، ويتراوح سعر النيزك الواحد بين 30 دولارًا و20 ألف دولار.

وستحصل مع النيزك على وثيقة تثبت أن هذه القطعة الصلبة ليست حجارة عادية. وأن كنت مهووساً بعلم الفضاء فإن زيارة كهذه قد تكون أهم حدث في حياتك، وحتى وإن لم تكن كذلك فالدخول لهذا المكان لن يكون كالخروج منه، لأنه قد يغير نظرتك إلى العلم والعالم والوجود. فهنا ستتوسع آفاقك وستكون أكثر جهوزية للمستقبل.