"العلم نور".. هكذا عرفناه منذ الصغر في حكايات الأجداد وعلى جدران المدارس، حيث يوصف المتعلم في البيوت المصرية بـ"المتنور"، لكن هناك من حرموا متعة التعلم في الطفولة لأسباب مختلفة، ومنهم من يرفض الاستسلام ويصارع ظلام الجهل.
قبل عامين، بدأ مشروع "القراءة السهلة" في مكتبة الإسكندرية، بهدف إتاحة كتب تناسب خريجي محو الأمية، لتزيد معرفتهم عن العالم وتقتل مخاوفهم من دخول المكتبات.
وتوضح منار بدر كبير المكتبيين بقطاع المكتبات بمكتبة الإسكندرية وصاحبة فكرة المشروع، أنها كانت تفكر في كيفية استقطاب خريجي محو الأمية إلى صفوف القراء، لأن "تعلم القراءة والكتابة الخطوة الأولى لبناء المعرفة".
وتؤكد منار لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "تنفيذ المشروع لم يكن سهلا، إذ لا توجد كتب كثيرة تخاطب تلك الفئة من الجمهور، فأغلب الكتب المبسطة موجهة للأطفال فقط".
وتمكنت المكتبة بعد رحلة بحث شاقة من إيجاد مجموعة كتب مناسبة، ليتم الإعلان عن قسم "القراءة السهلة" الذي يشمل 3 مستويات، الأول به كتب مصورة تحتوي كل صفحة منها على سطور قليلة لا تتجاوز اثنين أو ثلاثة، أما المستوى الثاني فيحتوي على كتب مصورة أيضا لكن مع زيادة النص المكتوب بحيث لا يتجاوز نصف الصفحة.
بينما في المستوى الثالث، توجد كتب عادية لا تتعدى المئة صفحة، تتسم بسهولة اللغة وتقدم موضوعات يسيرة على العقول.
وتتابع: "في البداية، لم يكن هناك إقبال كبير على القسم، لذلك بدأت إدارة المكتبة التواصل مع معلمي محو الأمية في مختلف المؤسسات، لدعوتهم لزيارة المكتبة وبالتحديد قسم القراءة السهلة. كما نظمت جلسة شهرية للقراءة وتصفح كتب القسم، لتزيد معرفة خريجي محو الأمية بالكتب المتاحة لهم وموضوعاتها".
اشتراك مجاني وموضوعات مجتمعية
وشجعت مكتبة الإسكندرية حديثي التعلم على القدوم إلى القسم باستمرار، من خلال اشتراك سنوي مجاني لكل من يحمل شهادة محو الأمية.
وتركز كتب القسم على الموضوعات الاجتماعية والتاريخية والتعليمية، بهدف رفع وعي القراء حول قضايا مجتمعية، مثل الزواج المبكر وعمالة الأطفال وختان الإناث، كما تعرفهم على تاريخ مصر والدول الأخرى، وتحاول أيضا فتح آفاق جديدة في عقولهم من خلال تقديم مواد تعليمية خاصة بالمشروعات الصغيرة، مثل الأشغال اليدوية وصناعة الصابون على سبيل المثال.
وتقدم المكتبة دورات تدريبية لمعلمي محو الأمية بهدف تنمية مهاراتهم التعليمية والتعرف على نظم مختلفة للتدريس، مما يساعد طلابهم على تلقي أفضل مناهج ممكنة، إضافة إلى تسهيل ممارسة القراءة والكتابة على الخريجين.
ويضم قسم "القراءة السهلة" حاليا 150 كتابا، وتسعى المكتبة لإتاحة المزيد من الكتب من خلال التعاون مع الجمعيات الأهلية، كما تدعو منار عبر "سكاي نيوز عربية" الناشرين لإنتاج كتب مبسطة لخريجي محو الأمية، مؤكدة على أن تلك الفئة من الجمهور كبيرة جدا، و"سيكون هناك إقبال على هذا النوع من الإصدارات حال إتاحتها".
وتحاول المكتبة الترويج لمشروع "القراءة السهلة" من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بنشر رسائل مكتوبة بخط اليد عبر صفحتها على "فيسبوك" يتحدث فيها زوار القسم من الناجين من الأمية عن تجربتهم مع الجمهور، ولاقت تلك الرسائل تفاعلا واسعا لما تحمله من أمل وإصرار على التعلم، رغم الظروف الصعبة التي واجهها أصحابها في بدايات رحلاتهم التعليمية.
رسائل ملهمة
تستبدل السيدة صباح يوم إجازتها في العمل بموعد آخر لتحضر جلسة "القراءة السهلة"، فتشعر بأنها طفلة بمجرد دخولها المكتبة على حد قولها لـ"سكاي نيوز عربية".
وتوضح صباح أنها حرمت في طفولتها من التعلم بسبب العادات والتقاليد في قريتها، ورغم أنها حاولت الالتحاق بالمدرسة في الصغر فإن عائلتها واجهت رغبتها بالرفض ظنا أن التعليم ليس مهما للفتيات، حيث "سينتهي بهن المطاف ربات بيوت في منزل الزوجية" وفقا لمعتقداتهم.
بدأت صباح رحلتها التعليمية في عمر الثلاثين، حيث التحقت بأحد صفوف محو الأمية وتخرجت بعد عامين.
كانت في طفولتها تحب الشعر لكنها لا تستطع كتابته، ما جعلها أحيانا تنساه، لكن بعد حصولها على شهادة محو الأمية زادت رغبتها في كتابته، خاصة بعدما أصبحت تلقيه على أصدقائها خلال جلسات القراءة الشهرية.
ونشرت صفحة "القراءة السهلة" عبر "فيسبوك" قصائد صباح، التي حصلت على عضوية سنوية مجانية من مكتبة الإسكندرية، وتحلم بتجميع قصائدها في ديوان شعري، لكنها ستعمل على تعزيز مهاراتها في الكتابة حتى تتمكن من تحقيق هذا الحلم.
أحلم بدخول الجامعة
وتروي السيدة نجوى جمعة لـ"سكاي نيوز عربية" أن والدها منعها من التعليم، وتم تزويجها في عمر 17 عاما، لكن بعد الزواج راودها مرة أخرى حلم التعليم فحصلت على شهادة محو الأمية، وعادت للدراسة وهي حاليا في الصف الثاني الإعدادي، وتأمل أن تستمر في الدراسة حتى تدخل الجامعة.
وقالت نجوى إنها تحظى بدعم والدتها وابنتها، وإنها تتعرض أحيانا للسخرية بسبب عودتها للدراسة وهي في العقد الرابع من العمر لكنها لا تهتم بذلك، فـ"هناك هدف أسعى لتحقيقه يشغلني عن كل ذلك".
كما أضافت نجوى أن جلسات القراءة السهلة تساعدها على التعرف أكثر إلى تراث بلدها، وتضاعف رغبتها في التعلم أكثر وأكثر، كما تحاول أيضا أن تكتب الشعر لتعبر عما مرت به في حياتها من صعوبات، وتبرز مواقفها البطولية في مواجهة الظروف لتصل إلى حلمها".