رغم مرور عقود طوال على إنتاجها وعرضها الأول لا تزال مجموعة من مسلسلات الرسوم المتحركة والكارتون الكلاسيكية العالمية مثل "توم وجيري" و"عدنان ولينا" و"سالي" و"فلونة" و"هايدي" و"زينة ونحول" و"السنافر"، تجد مكانها اللائق بل والريادي ضمن الخارطة البرامجية لقنوات الأطفال المختصة وضمن فقرات الصغار في التلفزيونات والقنوات العامة في العالم العربي.
ولا غرو في ذلك كونها تتميز بحبكة وبناء دراميين متقنين ومبهرين، وبسوية بصرية جذابة قياسا إلى وقتها، توائم المواكبة بين الخيال الطفولي الجامح والواقع كما هو وتخاطب العقل والحواس المختلفة وليس العين فقط، بعكس أفلام كارتون زمننا الراهن التي ملؤها في جلها التسطيح والسقطات الفنية والتربوية وانعدام المحتوى الهادف.
ويقول جينو عبدالله، رئيس تحرير موقع "خاك" الثقافي والفني في كردستان، لـ"سكاي نيوز عربية": "مع الأسف المحتوى الكارتوني والترفيهي الموجه للأطفال في عصرنا هذا لا يترك أي بصمات وذكريات لديهم، ولا يغرس فيهم فائدة ومتعة مستدامتين لضعف محتواها وضبابية أهدافها التعليمية والتقويمية فضلا عن اتسامها بالعنف والقسوة بما يؤثر سلبا في سلوكيات الأطفال ويعزز لديهم الميول العدوانية".
ويضيف عبدالله، أستاذ الإعلام في جامعة السليمانية: "رغم أن أفلام كارتون الثمانينات والتسعينات كانت ضعيفة من ناحية الجودة الإخراجية والفنية مقارنة بما هو سائد الآن، لكنها لا زالت تعيش لحد اللحظة في ذاكرة أبناء ذاك الجيل".
وأضاف "تصلنا رسائل ومطالب عديدة ومتكررة من قرائنا ومتابعينا بإعادة بث أفلام الكارتون القديمة تلك، حيث كان تليفزيون خاك سباقا في دبلجة كلاسيكيات الكارتون العالمية إلى اللغة الكردية، الأمر الذي لاقى استحسان المشاهدين في تعبير عن الشوق للماضي ومسلسلاته الكارتونية المتميزة بقوة ورقي مضمونها ورسالتها" .
ورغم أن الأذواق تختلف وتتطور وتتبدل بطبيعة الحال لدى الصغار باختلاف الأزمنة والأجيال وتبعا للتطور التكنولوجي والاجتماعي والقيمي العام، وما يعكسه من تطور وتحول في قابليات الطفولة ووعيها ومزاجها ومداركها وتفضيلاتها الترفيهية والجمالية، لكن لا شك أن سيادة الأنماط الاستهلاكية والإلهائية بمحتويات بالغة الاستعراضية والخواء المعرفي والسلوكي، والمشهدية المنزوعة الروح والهدف، يطعن في قيمة وجمالية الكم الهائل هذه الأيام من المنتوج الكارتوني الموجه للصغار والذي يستهين بذكاء طفل القرن الواحد والعشرين ومداركه .
فالمسلسلات القديمة المذكورة أعلاها غدت من كلاسيكيات ليس فقط الرسوم المتحركة الكارتونية بل الفن العالمي ككل، إذ هي مثلت أعمالا عابقة بالفضيلة الممتعة والخير والجمال والحكمة والضحكة الصادقة والمقنعة، ليس وفق قوالب وعظية وإرشادية منفرة وتقليدية، ولا في إطار كوميدي مبتذل ومفتعل، إنما ضمن سياقات درامية غاية في الروعة والإمتاع، تتسق وخيال الأطفال مداعبة حواسهم ومحفزة أفكارهم، لكنها تبدو وكأنها مناسبة للكبار أيضا لما تنطوي عليه من سوية معرفية وقيمية وجمالية عالية ما يفسر ربما كيف أننا كلما كان الوقت متاحا، نتسمر نحن معشر الكبار أمام الشاشات عند عرض هذه الأعمال الخالدة في نوستالجيا عارمة لطفولتنا ولزمنها الجميل البريء.. زمن "توم وجيري" الذهبي الذي لا يصدأ.