أعلن فنانون في الجزائر، مؤخرا، عن ميلاد "حركة التياتراليين (المسرحيين) الجزائريين"، في مسعى لإعادة الوهج إلى أب الفنون الذي ينصرف عنه المتفرجون منذ سنوات طويلة.
وتهدف هذه الحركة المسرحية الجديدة إلى تحقيق رهانات فنية وثقافية وتربوية في البلاد، من خلال طرح الأفكار التي تشغل بال المجتمع.
لقاء الأجيال
ويتحدث صاحب المبادرة المخرج المسرحي الجزائري شوقي بوزيد، بكثير من الحسرة عن واقع المسرح في الجزائر، قائلا إن "الألم يتجدد داخله كل يوم منذ 30 عاما"، مما دفعه للتفكير بصوت عال لتأسيس حركة تجمع المسرحيين تحت اسم "حركة التياتارليين المسرحيين".
وقال بوزيد لموقع "سكاي نيوز عربية": "الوقت الحالي يحتاج إلى تغيير جذري لتحرير الفن من كل القيود ومنح الشباب فرصتهم الحقيقية".
ودفع هذا الأمر بوزيد إلى قيادة المبادرة التي لا تأخذ شكل الجمعية أو التعاونية الثقافية، بل فكرة تحاول لم شمل الفنانين الجزائريين من الجيلين.
وتحظى هذه المبادرة بدعم العديد من المسرحيين الجزائريين الشباب، من بينهم المخرج المسرحي الشاب ورئيس جمعية "فرسان الركح" سليمان الشيخ عقباوي، الذي قال لموقع "سكاي نيوز عربية": "مسرحنا اليوم يحتاج لرجة حتى يعود لصوابه الفني والجمالي".
وأضاف: "الشباب هم الطاقة، ومن الحكمة دفعهم إلى المقدمة لخلق مبادرات جادة ودائمة وتواصل فعلي مع الجيل المخضرم، وهذه الفرصة تسعى لضخ دماء جديدة تجنح بمسرحنا إلى بر الإبداع والإقناع".
وتأتي هذه الدعوات بعد عام كامل أدت فيه جائحة كورونا إلى شل الحركة المسرحية، حسبما قالت الممثلة الجزائرية الشابة خامسة امباركية لموقع "سكاي نيوز عربية".
وأوضحت الفنانة: "مع وباء كورونا، احتضرنا كليا رغم أن بعض الفاعلين وأصحاب الميدان يحاولون إزالة هذا الاحتضار لكن من دون جدوى. حركة المسرحيين الجزائريين ستضم كل فنان عاشق للخشبة، وهذا أهم شيء لأننا بحاجة اليوم لنكون أقرب من بعضنا حتى نشعل شمعة التغيير".
أحلام التغيير
أتى الحراك الشعبي في الجزائر، في فبراير 2019، وسط آمال عريضة للتغيير من مختلف فئات المجتمع، وبينما كانت خشبة المسرح تشكو التهميش.
فقد اغتيل أبرز رواد الفن السابع على يد الجماعات المسلحة خلال تسعينيات القرن الماضي، وتراجع دور معهد الفنون المسرحية، وتعبت الجمعيات المسرحية من أزمة التمويل، واستقال عدد كبير من المسرحيين أمام وضع منهك وعدم مبالاة الناس بالجهود التي يبذلونها، بينما يشير البعض إلى أزمة حرية التعبير.
ويجمع كل المتخصصين في المسرح، على أن المسرح الجزائري لم يغادر أبدا قضايا الشعب، وظل قريبا من هموم المواطن حتى خلال الثورة التحريرية، فقد كان شريكا في إيصال الرسالة ونقل الوعي منذ تأسيس جمعية ثقافية مسرحية في ولايتي المدية والعاصمة على يد الأمير خالد سنة 1910، كما أن المقاوم ضد الاستعمار الفرنسي، العربي بن مهيدي، عرف عنه عشقه لأبي الفنون، حيث شارك في عدة مسرحيات كممثل.
وفي السنوات الأخيرة، انعكست سياسية التقشف التي انتهجتها البلاد على المشهد المسرحي، وعطلت الكثير من العروض وزادت من عزلة هذا الفن، فيما أشار الممثل المسرحي والتلفزيوني فؤاد زاهد لموقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن "التقشف مس المسرح الجزائري بصفة عامة. هذا الأمر ليس بالجديد على المسرح".
التمويل و"حرية التعبير"
وذكر زاهد أن "الأعمال المسرحية تواجه أزمة التكلفة، وفي كثير من الأحيان يؤدي ارتفاع ميزانية العمل المسرحي بالمخرج إلى عدم المجازفة بإنجاز نصه أصلا رغم أهمية الموضوع، ناهيك عن الرقابة التي تمنع تمرير بعض الأفكار فوق خشبة المسرح الوطني".
لكن الملاحظ في ملامح العروض المسرحية المقدمة خلال البرامج الرسمية وخاصة المهرجان الوطني للمسرح المحترف، أن هناك أعمالا كانت تحمل مواقف معارضة للسلطات، وتعري الواقع وتنتقد بطريق مختلف ومن دون خطوط حمراء في أحيان كثيرة.
ويقول الممثل الشاب رشيد بن قوديفة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن الإجابة على سؤال حرية التعبير ستأتي عبر تأسيس حركة المسرحيين.
وأضاف أنه "من شأن هذه الحركة أن تمنح الفرصة للشباب لطرح القضايا التي ترتبط بواقع المسرح والبحث عن الحلول. إصلاح الأوضاع لا يمكن أن يكون في سنة أو اثنتين، فالأهرامات لم تبن في عام وأحلامنا كبيرة".
ومن جهة أخرى، لخص المخرج المسرحي الجزائري محمد شرشال أزمة المسرح في أمرين، موضحا لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "المشكلة الأولى تكمن في عدم توفر فضاءات للإبداع. الأولية هي خلق فضاءات للمبدع، وثانيا التوجه إلى البحث عن الدعم المالي لحل أزمة الإمكانيات"، ثم جزم بأنه لا يمكن تحقيق مراجعة شاملة من دون إيجاد حل لهاتين المشكلتين.