رايات خفاقة ورقصات "غريبة" على المجتمع المصري، تتضمن أهازيجا وأغاني مختلفة، لكنّها في الوقت ذاته مميزة ولافتة، تضفي أجواء من البهجة المفعمة برقي المشهد والحركة واللحن والكلمات، بعيدا عن الفقرات المعتادة والمألوفة في الحفلات المختلفة، بما في ذلك "الزفة" التقليدية والأجواء التي تهيمن عليها "أغاني المهرجانات الشعبية".
الدبكة والعراضة وحتى السيف والترس والمشاعل، وغير ذلك من الفنون الشامية المُميزة، ترسم صورة مغايرة لأفراح بعض المصريين واحتفالاتهم، وتزاحم أغاني المهرجانات في بعض الحفلات، التي فضل أصحابها من المصريين أن يُحيوا ليلتهم الاستثنائية بنمط مختلف على غير السائد في الحفلات المصرية، فعمدوا إلى فرق موسيقية سورية للقيام بتلك المهمة، وتقديم مجموعة من رقصات التراث الشامي ممزوجة ببعض الفقرات المصرية الأخرى، في سيمفونية مغايرة عن السائد، بل إن الأمر وصل حد اعتماد البعض على فرق سورية لتولي مهمة تنظيم الحفل من البداية للنهاية بكل تفاصيله.
وعزز انتشار الفرق السورية انفتاح المجتمع المصري، كوعاء تنصهر فيه الثقافات، ويستوعب الجميع. فكما وجدت المطاعم السورية انتشارا لافتا وحضورا مميزا في مختلف محافظات البلاد، فإن الفرق الفنيّة السورية أيضا لم تنغلق على ذاتها ولم تقتصر نشاطاتها على إحياء حفلات السوريين في مصر فحسب، بل امتد نشاطها ليشمل المصريين، وسط إقبال وصفوه بـ "الكبير" على ما يقدمونه من فقرات مختلفة تحظى باستحسان الجمهور المصري الشغوف بكل ما هو جديد بالنسبة له.
وتنشط تلك الفرق على نطاق واسع بشكل خاص في المدن التي تحظى بتواجد سوري كثيف فيها، وتمتد نطاقات عملها لتشمل جميع محافظات مصر. ومع هذا الحضور اللافت فإن بعضهم صاروا في محل منافسة بين بعضهم البعض على كسب الجمهور المصري، سواء من خلال تقديم عروض أسعار مختلفة أو فقرات وفنون إضافية تُميز فرقة عن أخرى.
فقرات منوعة
فرقة سما الشام، واحدة من أكثر الفرق السورية حضوراً وانتشاراً في الآونة الأخيرة رغم حداثة تأسيسها، تتميز بتقديمها مزيجاً من الأغاني والرقصات السورية والمصرية معاً.
وتتكون الفرقة من نحو 13 فرداً، وتقدم مجموعة مميزة من الرقصات الشامية الشهيرة من الدبكة والعراضة الشامية.
الفرقة التي يقع مقرها الرئيسي في مدينة العبور (شرق القاهرة)، يقول مؤسسها أحمد كمال الدين، في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية" من القاهرة، إنهم وجدوا اهتماماً متنامياً من الجمهور لإحياء حفلات مصرية عديدة خلال الفترات الماضية، متحدثاً عن وجود عدة فرق منافسة بالقاهرة.
وشدد على أنهم يسعون دائماً لتقديم أفضل ما لديهم، ليس فقط من خلال تقديم الرقصات والأغاني السورية الشهيرة، ولكن أيضاً بدمج الأغاني المصرية في الاحتفالات المختلفة، التي يقدمون فيها فقرات منوعة ومختلفة بداية من الرايات والطبل والدربكة والمشاعل والرقصات الشامية المعروفة.
ويستطرد كمال الدين: "ما نقدمه من فقرات كثير منها جديد على المصريين، ودائماً ما يكون محل إعجاب بالنسبة لهم، ولهذا السبب هناك إقبال على الفرق السورية، على اعتبار أنها تقدم جديداً غير مألوف بالنسبة للحفلات المصرية بشكل عام".
إقبال كبير
"نعمل في مصر منذ قرابة الستة أعوام تقريباً، ونجد حفاوة وإقبال كبيرين من المصريين بصفة عامة لإحياء حفلاتهم ومناسباتهم المختلفة"، يقول أبو علي البغدادي، مدير فرقة أنوار الشام السورية، في حديثه مع "سكاي نيوز عربية" من القاهرة، مشيراً إلى أن فرقته التي تُقدم الدبكة السورية بشكل أساسي في الحفلات التي تُحييها بالقاهرة والمحافظات المصرية المختلفة، فإنه يُطلب منها في بعض الحفلات تقديم فقرات مصرية مختلفة أو فقرات تقليدية، مثل "التنورة" و"الزفّة الدمياطي"، فيتم تقديمها إلى جانب الرقصات الشامية التقليدية والفقرات السورية الأخرى.
ويشير إلى أن "هناك إقبالاً كبيراً من المصريين على الفرقة، وعلى الفرق السورية بشكل عام"، مبرراً ذلك بـأن "ما يتم تقديمه من قبل الفرق السورية جديد على المصريين، ومميز، وبالتالي يلجأ إليه الكثيرون لإضفاء جو مختلف على حفلاتهم، لاسيما حفلات الزفاف".
مدير الفرقة التي يصل قوامها إلى 12 فرداً ويقع مقرها الرئيسي بمدينة السادس من أكتوبر (مدينة تشتهر بكثرة السوريين فيها)، يوضح أن "أسعار الفرقة ربما أعلى قليلاً من الفرق المصرية التقليدية أو حفلات الـ DJ، وعلى رغم ذلك هناك إقبال جيد من المصريين"، مشيراً إلى أنهم يعملون في كل مكان في مصر يُطلب منهم الذهاب إليه، وتصل مدة الحفل إلى ساعتين في المتوسط.
ويلفت أبو علي، إلى أن "الشعب المصري يتميز بكرم أخلاقه وحسن ضيافته، وإقباله على كل ما هو غريب ومميز، ولهذا نجد متسعاً من العمل في الحفلات المصرية، ولا نشعر بأننا غرباء منغلقون على أنفسنا وحفلاتنا السورية فقط".
فن راقٍ
فرقة النسور الدمشقية، هي إحدى الفرق السورية العاملة في مصر منذ سنوات، ومقرها مدينة العبور (شرق القاهرة)، يقول مديرها علاء قصار لـ"سكاي نيوز عربية"، إنهم يعملون في مصر منذ 4 سنوات تقريباً ويحيون حفلات لمصريين وسوريين على حد سواء، بل إنهم يقومون في بعض الأحيان بـ "إدارة كاملة للحفل من البداية للنهاية"، ويقدمون الرقصات والفقرات السورية مثل العراضة الشامية والدبكة وغيرها، إلى جانب فقرات شهيرة في مصر مثل "التنورة" والتي يتم التعامل فيها من قبل الفرقة مع مصريين لتقديمها إلى جوار القوام الرئيسي للفرقة المكون من 10 إلى 20 سورياً.
ويشير إلى أن هنالك إقبالاً من المصريين على التعامل مع الفرق السورية، مبرراً ذلك بقوله: "الجمهور المصري بطبعه منفتح على جميع الفنون، ومصر بلد الفن، والمصريون يحبون الشيء المختلف الراقي، وعلى اعتبار أن التنورة و"الزفة الدمياطي" وغير ذلك صارت أموراً تقليدية في الحفلات، فإن الكثيرين يبحثون عن أنماطٍ مختلفة لإحياء حفلاتهم، ومن هنا يأتي تفضيل الفرق السورية، على رغم أن أسعارها ربما أعلى من نظيرتها المصرية".
حفل مختلف
"تقدم الفرق السورية فناً راقياً، ولهذا السبب يلجأ إليها بعض المصريين لإحياء حفلاتهم المختلفة، لاسيما حفلات الزفاف"، هذا ما يؤكده لـ "سكاي نيوز عربية" عيسى كامل (مهندس مدني، من مدينة السادس من أكتوبر)، وهو صاحب تجربة لاستقدام إحدى الفرق السورية لإحياء حفل زفاف أحد أقاربه، بمنطقة الحي السادس بالمدينة ذاتها، قبل أقل من شهرين، عندما كتب على إحدى المجموعات الخاصة بالسوريين عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" طالباً ترشيحات لأبرز الفرق السورية، لكي يختار من بينها.
ويُردف: "أردنا أن يكون حفل الزفاف مختلفاً، ورأينا مقاطع عديدة لفرق سورية مختلفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تروج لنفسها، ووجدنا أن ما يقدم ليس منتشراً في العادة بالأفراح والحفلات المصرية، ومن ثمّ تعاقدنا مع إحدى الفرق لإحياء الليلة، وقد قدّمت الفرقة مزيجاً من الأغاني المصرية والسورية معاً، وإن كانت الغلبة للأغاني السورية، مما أضفى على الحفل جواً مختلفاً عن الحفلات التقليدية".
ويشير إلى أن "الفن الذي تقدمه تلك الفرق فنٌ راقٍ، وليس مجرد موسيقى عالية صاخبة مع بعض الكلمات فقط"، في إشارة لتفضيلهم تلك الفرق عن أغاني المهرجانات الشعبية المنتشرة في الحفلات المصرية المختلفة بالآونة الأخيرة.
وتمثل تلك الفرق جانباً واضحا لانصهار السوريين في المجتمع المصري بقطاعات مختلفة، كما تمثل أيضاً جانباً من انفتاح الشعب المصري على مختلف الثقافات، وكسره أنماطه الاحتفالية التقليدية لصالح أنماط وفنون أخرى مختلفة سعياً للتجديد.