يعتبر متحف الأمن الأحمر الذي يديره الفنان التشكيلي الكردي المعروف، آكو غريب، من أبرز معالم مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق.
ويقع المتحف في مركز المدينة والذي كان في السابق مقرا لمديرية الأمن العام العراقية إبان حكم صدام حسين. وتسميته بالأحمر تأتي كناية عن لون جدرانه القرميدي المائل للون الأحمر وتعبيرا وترميزا عن دمويته كونه كان مقرا للتصفيات والإعدامات للناشطين والمناضلين الكرد ضد سلطة البعث.
بعد الانتفاضة الشعبية العامة على النظام عام 1991، انتفضت السليمانية وانتشرت الانتفاضات بعدها في مختلف محافظات ومدن كردستان وبلداتها تم تحويل المقر الأمني المخابراتي سيء السمعة والذي كان مجرد ذكر اسمه مبعث رعب وخوف وقشعريرة لدى الناس في العهد البائد، تم تحويله إلى متحف يوثق ارتكابات ذاك العهد وجرائمه لدرجة أن حيطانه الخارجية لا زالت آثار القذائف والطلقات محفورة فيها وبادية حينما هاجمه المنتفضون والبيشمركة حيث تركت كما هي دلالة على عظمة تلك الانتفاضة وتاريخيتها.
وتضم باحة المتحف إلى الآن الدبابات والآليات العسكرية التي أكلها الصدأ والمعطوبة إبان الانتفاضة على يد الثوار فضلاً عن فوارغ صواريخ وقذائف معروضة في جنبات الساحة وبعضها تم حشوها بالورود والأزهار فليس تفصيلا تحويل فوارغ قذائف وصواريخ الموت والقتل إلى مزهريات وأحواض ورد تنبض جمالا وسموا وسحرا.
فضلا عن فتح جملة متاحف ضمن هذا المتحف الأم (الذي يعرض مجسمات واقعية مستوحاة من غرف التعذيب وطرائقه) منها متحف لضحايا حملات الأنفال السيئة الصيت يوثق أسماء نماذج منهم ويعرض صورهم وبعض حاجياتهم الشخصية الخاصة إضافة إلى تصميم خريطة تحدد المناطق المؤنفلة التي تمت فيها عمليات الإبادة الجماعية تلك، ومتحف لمن ضحوا بحياتهم من قوات البيشمركة في كردستان العراق ووحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة في كردستان سوريا في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية كداعش مع توثيق بالأسماء والصور لعدد منهم وعرض لبعض أغراضهم ومتعلقاتهم الشخصية، ومتحف لتوثيق أضرار الألغام التي كان يزرعها جيش صدام حسين في طول كردستان وعرضها فضلا عن صالة عرض فني ( غاليري ) ومقهى ثقافي مخصص للندوات والمناسبات الفكرية والثقافية على اختلافها وقاعة سينمائية، مما يجعل متحف الأمن الأحمر معلما ثقافيا متكاملا.
ولا تكتمل بطبيعة الحال أي محاولة للارتقاء بالواقع الثقافي إلا عبر الاحتفاء والارتقاء بالفن السابع وبدور وقاعات عرضه. وهنا فإن قاعة المتحف الأحمر السينمائية رغم صغرها النسبي يؤمل أن تشكل بادرة لافتتاح دور وصالات عرض أخرى وبما يسهم في السمو بالوعي الفني والذائقة البصرية، فالسينما بوصفها معلما أساسيا من معالم التحقق والتبلور الثقافيين حيثما تكون حاضرة وقاعاتها منتشرة فهذا مؤداه انتعاش الحياة الثقافية بل والسياسية والاجتماعية.
كما جرى استحداث متحف الصمود مؤخرا والذي اتخذ من قسم التحقيق سابقا في مديرية الأمن الأحمر مقرا له، حيث كان يستجوب المحبوسون والأسرى وتلفق التهم الجاهزة والمعلبة لهم. ويشتمل متحف الصمود هذا على عدة أركان أحدها مثلاً خاص بالضحايا الذين قضوا إعداما على خلفية كونهم نشطاء كرد وآخر يوثق أسماء أطفال وفتيان قصر حوكموا بالإعدام، لكن بعد تزوير تواريخ ميلادهم بما يجعل أعمارهم فوق الثامنة عشرة كي يغدو إعدامهم قانونيا.
والمعبر أن جملة هذه المبادرات والمتاحف المتعددة في متحف واحد كما سبقت الإشارة تتناسل من موقع كان ساحة للقتل والعنف والتنكيل يطغى عليها اللون الأحمر المراق من أجساد الأبرياء وليغدو منارة ثقافية وفنية ومحطة لمختلف الوفود والزوار فهو معلم سياحي لا تكتمل زيارة كردستان وعاصمتها الثقافية: السليمانية على وجه الخصوص دون رؤيته هو الذي يسرد وبتجسيد توثيقي وواقعي بليغ حجم المأساة التي عاشها الكرد خاصة والعراقيون عامة في ظل نظام البعث الصدامي الساقط وكيف أن مكانا كان صنو الموت والتعذيب والتصفية صار متنفساً جماليا عابقا بالثقافة والمتاحف وقاعات العرض الفني التشكيلي والسينمائي فالفن والإبداع بعد كل حساب أقوى وأبقى من الفاشيات وآيديولوجيات القبح والتطرف الزائلة.