فقدت نور زوجها في حرب الموصل وبعدها عانت من العزلة بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد، وهو ما جعلها تعيش جحيما نفسيا، ذاقه الكثيرون في هذا البلد في خضم الجائحة الطويلة.
وتقول نور (اسم مستعار)، في إحدى جلساتها مع قسم الدعم النفسي الاجتماعي الخاص بمنظمة أطباء بلا حدود في العراق، إنه بسبب ما حصل "فقدت ثقتي في العالم بأكمله. لم أكن أتواصل مع أي أحد قبل ذلك حتى مع أسرتي في المنزل".
وأضافت: "عزلت نفسي عن الآخرين لمدة طويلة. يئست من الحياة وحبست نفسي في غرفة مظلمة. لم أكن أخرج أو أسمح لأي شخص أن يشعل الضوء. كان الضوء يزعجني جدً لدرجة أني كنت أشعر بالاختناق. هل لكم تخيُّل ذلك؟ بقيت على تلك الحال لسنوات.
واستفادت نور من الإرشاد النفسي، الذي أعادها إلى حياتها الطبيعية، حيث قالت "كان لذلك دور كبير في تحسني. وقد بدأت الآن التواصل مع الآخرين والنظر لنفسي بشكل أفضل.. صرت أخرج الآن، وأرتدي ملابس حسنة وأتطلع إلى جلساتي. أنا هنا لأني أود أن أستعيد حياتي".
فريال.. حياة انقلبت
وفي الحويجة، كانت فريال تعيش بين أسرة ثرية في بيت كبير وتمتلك سيارة حديثة، قبل أن تنقلب حياتها رأس على عقب بعد قدوم داعش للمدينة.
وذكرت: "هربنا إلى مخيم النازحي وفقدنا كل شيء.. أثرت الحرب والنزوح والحياة في المخيم علينا تأثيرا سلبيا جدا".
وتابعت "كل أبنائي معتلون نفسيا الآن، كلهم مكتئبون. بنتي الكبرى عصبية على الدوام، وتشعر بالغيرة عندما أهتم بأختها فتدخل في الغرفة وتغلق الباب على نفسها. بنتي الوسطى لا تستطيع حتى الآن الاختلاط مع الناس ولا حتى الأقارب. وأولادي لا يستطيعون كسب العيش فأصبحوا يشعرون بالحزن. أشعر أنهم لا يستطيع التحرك للأمام. كل البيت يشعر بالاكتئاب".
مستويات عالية من القلق
وألقت منظمة أطباء بلا حدود، في تقرير حديث حصلت سكاي نيوز عربية على نسخة منه، الضوء على الحالة النفسية للشعب العراقي، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية.
وقالت المنظمة إن فرقها لاحظت أن الحالة النفسية للمرضى ساءت خلال الفترة الأخيرة، مضيفة "وجدنا مستويات عالية جدا من القلق والاكتئاب والوسواس بين المرضى الذين كانوا يحاولون التعافي من آثار الحرب والنزوح، فكان الوضع الاقتصادي الحالي ووباء الكورونا من أهم أسباب استمرار معاناتهم".
وفي هذا الصدد، قالت صايمة زايي، مدير نشاط الصحة النفسية لأطباء بلا حدود في الموصل، إن معظم الحالات المرضية للصحة النفسية حاليا هي القلق والاكتئاب.
وأوضحت أن "معدلات القلق لدى مرضانا ارتفعت هذا العام من 45 في المئة إلى 68 في المئة، والاكتئاب من 10 في المئة إلى 20 في المئة. وهذه علامة سيئة لأن الحالات المرضية للصحة النفسية تطورت إلى معاناة نفسية أشد وأوضح".
وأشارت إلى أن الأعراض تشمل المزاج الحزين، والانفعال والغضب، واضطراب النوم، ويكثر ذلك بين الإناث.
وذكرت زايي: "كان المرضى يحاولون التكيف مع ظروف الحرب، ثم جاء وباء كوفيد-19 وسبب لهم فقدان الأمل بالمستقبل".
من جهتها، كشفت سانا مدير أنشطة الصحة النفسية لأطباء بلا حدود في الحويجة أن أكثر الأمراض النفسية شيوعا هي الاكتئاب بنسبة 70 بالمائة ويليها القلق ومتلازمة ما بعد الصدمة ثم غيرها من الأمراض.
أسباب عدة
وتشمل العوامل التي تساهم في زيادة الأمراض النفسية القيود المادية وفقدان مصدر الرزق والمشكلات الأسرية وبعض الإصابات الجسدية الناتجة عن الانفجارات، والصدمات النفسية، وبعض الأمراض العضوية الأخرى.
وعن طريقة إدارة المشكلات النفسية، أوضحت سانا: "يمكن التعامل مع هذه المشاكل "وقتما يزيد الوعي الاجتماعي بها".
وأردفت قائلة: "في بعض الأحيان لا يصل المرضى الذين يعانون من المرض النفسي إلى الشخص الصحيح الذي يوجههم لكيفية العلاج، وهذا ما يزيد من تعقيد المشكلة".
"ولتيسير وصول المرضى إلى العلاج يجب رفع وعي المجتمع بأهمية الصحية النفسية جنبًا إلى جنب مع تقديم الخدمات العلاجية وأيضا تقديم مزيد من التوعية للمرضى وأسرهم داخل المستشفيات".