لم تمنع جائحة كورونا المهرجان الوطني لفن العيطة في المغرب، من تجديد اللقاء مع عشاق هذا الفن التراثي، لكن نسخة هذه السنة، وعلى غرار مجموعة من التظاهرات الثقافية، نظمت في صيغة افتراضية.
واختار المنظمون منصتي فيسبوك ويوتيوب لنقل برنامج الدورة، الذي لا يقتصر فقط على الجانب الفني، بل يشهد تنظيم ندوات فكرية حول تراث العيطة، بمشاركة مهتمين وباحثين مغاربة وأجانب.
وتقوم فكرة المهرجان الذي انطلق قبل 19 عاما، على إحياء وتثمين هذا اللون الفني المغربي الضارب في القدم، والذي لم ينل حقه من الاهتمام إلا في السنوات الأخيرة.
وقد عانى فن العيطة لعقود طويلة من التهميش والاقصاء لارتباطه بالعمق البدوي، واتهم رواده وخاصة المغنيات، بالخروج عن الإطار الأخلاقي للمجتمع المغربي.
فظلت العيطة على الهامش، فيما انصب الاهتمام على فنون أخرى نشأت في كبريات الحواضر، كفن الملحون والطرب الأندلسي.
من أقدم الفنون المغربية
وتشير العيطة في العامية المغربية إلى النداء أو الاستغاثة بصوت عال، حيث تقوم القصائد الشعرية لهذا الفن على استنجاد السلف والتبرك به وزرع الهمم في نفوس المستمعين.
وفي تعريف يتضمنه كتاب "غناء العيطة الشعر الشفوي والموسيقى التقليدية في المغرب"، يرد أن فن العيطة هو "ذلك النفس الساخن الصاعد من الدواخل، عبر الأصوات البشرية والإيقاعات والألحان الآسرة، هو الذي أسعف على ميلاد شعر شفوي ظل يخرج من الجراح الفردية والجماعية مثل النزف الدافئ، ويلتصق بذوات وبمصائر الفلاحين والمزارعين والرعاة، والقرويين عموماً، المنحدرين من ذاكرة عميقة ومن سلالات عربية لها تاريخ بعيد".
وفي حوار مع "سكاي نيوز عربية"، يؤكد حسن نجمي صاحب الكتاب وأحد أبرز الباحثين المغاربة في مجال فن العيطة، أن هذا اللون الغنائي، يعد من أقدم الفنون في المغرب، وتعود بداياته إلى القرن الثاني عشر ميلادي، تزامنا مع وصول أولى القبائل العربية للمغرب، وهي قبائل بني هلال وبني سليم.
ويؤكد نجمي أن قصائد فن العيطة تمثل "فجر الشعر العربي بالمغرب"، مشيرا إلى أن قصائده تحمل قيما إنسانية قوية، حيث تحولت بعض الأبيات إلى حكم وأمثال شعبية خالدة يتناقلها المغاربة، وبالتالي "ارتبطت العيطة بذاكرة وجدان جزء كبير من المغاربة".
وتختلف أنواع العيطة باختلاف السهول الوسطى للساحل الأطلسي بالمغرب "الشاوية ودكالة عبدة " مروراً ببعض المناطق المجاورة كالحوز وزعير وصولا إلى الغرب.
وينتقد الباحث المغربي، الأفكار "الخاطئة" التي تكونت عبر الزمن حول فن العيطة، والصور النمطية التي لازمت فناني وموسيقيي هذا اللون الغنائي.
فن شفهي في خطر
تعتبر منظمة اليونسكو فن العيطة المغربي، موسيقى تقليدية، وذلك ضمن تصنيفها للتراث الإنساني اللامادي، وتدعو المنظمة في مناسبات مختلفة إلى حماية هذا التراث الموسيقي من الضياع.
ويعد فن العيطة تراثا شفهيا، ينتقل من جيل إلى آخر عبر التلقين الشفهي. ويؤكد الباحث حسن نجمي أن فن العيطة بشقيه الشعري والموسيقى "ظل بلا تاريخ مكتوب"، كما أنه يغيب عن مقررات المدارس والمعاهد الموسيقية. ويدق نجمي ناقوس الخطر بشأن التهديد الذي يتعرض له هذا التراث الحضاري، بسبب غياب إرادة حقيقية لتدوينه.
فن في مواجهة الاستعمار
ارتبط فن العطية بأنواعه التسعة، بتاريخ المغرب في حقبة دقيقة، حيث استعمل هذا الفن كأداة لبعث رسائل مشفرة لمقاومة الاستعمار الفرنسي، ما جعل المستعمر يساهم بشكل كبير في محاولة التضييق على رواد هذا الفن.
وفي أحداث فارقة في حقبة الاستعمار مثل نفي الملك الراحل محمد الخامس، لعبت قصائد العيطة دورا كبيرا في استنهاض الهمم.
ويبرز الباحث في تاريخ فن العيطة حسن نجمي في حواره مع موقع "سكاي نيوز عربية " تأثير تلك القصائد على عزيمة ووجدان المغاربة.
ويستحضر نجمي، قصائد تضمنت تحريضا على مواجهة المستعمر الفرنسي وحث المغاربة على تحرير بلادهم، كقصيدتي "الشجعان" و"القائد العيادي".
تيك توك يستحضر خربوشة
تخلد الذاكرة الشعبية في المغرب، الفنانة خربوشة كأحد رموز الصمود، دفاعا عن قومها، عبر الأشعار التي نظمتها ضد رجال السلطة المغاربة المتعاونين مع المستعمر.
ومؤخرا، عاد اسم خربوشة التي توفيت في القرن 19، إلى الواجهة من خلال تحدي على تيك توك، أطلق عليه تحدي خربوشة. تشارك في هذا التحدي شابات مغربيات يظهرن وهن يضعن زينة وحليا على الطريقة التقليدية المغربية، ويرفقن الصور بمقطع أغنية تتضمن أبياتا من إحدى اشهر قصائد خربوشة، والاغنية من أداء الفنانة الصاعدة سكينة فحصي.
وقد مكن التحدي، جزءا كبيرا من "جيل تيك توك المغاربة" من التعرف على فنانة بعباءة مقاومة.