ترك المهندس المعماري أنطوني جاودي بصمة واضحة على أبرز معالم مدينة برشلونة، التي تعد ثالث أكبر مدن أوروبا جذبا للسياح بعد لندن وباريس، بمعدل يتجاوز مليوني سائح سنويا.
ويتباد إلى ذهن كل من زار مدينة برشلونة أسئلة عدة من بينها، كيف صمم جودي علامة مائية غير مرئية؟ وكيف استطاع "تشفير" برشلونة بهذه الطريقة العبقرية؟
ويقف حائرا أمام هذه الأسئلة وغيرها ليس فقط من زار برشلونة، بل كل معماري حط رحاله في المدينة الكتالونية، وحاول تقليد تصاميم جاودي واقتباس روح رسومه.
وتمكنت ريشة جاودي، المولود في 25 يونيو 1852، من صناعة مزيج مبهر من التصاميم جعلت من بعض الأماكن في مدينة برشلونة تبدو وكأنها علامة مائية غير مرئية.
ويعد جاودي، الذي رحل في يونيو 1926، واحدا من أشهر المهندسين المعماريين الإسبان. وعند تخرجه من كلية العمارة في برشلونة قال عنه مديرها أليس روجينت: "أيها السادة، نحن اليوم في حضرة إما معماري عبقري أو رجل مجنون.. وحده الوقت كفيل بالإجابة عن ذلك".
وزاد جاودي من صعوبة التحدي أمام منافسيه من المعماريين الذي حاولوا تقليده، بفضل إجادته 4 حرف أساسية غير الهندسة المعمارية، هي صناعة الخزف وصهر الحديد والنجارة والفسيفساء، أو ما يطلق عليه "فن الزجاج المعشق"، مما جعل أعماله دوما تنطق بشيء مختلف.
خروج عن المألوف
وألهمت أعمال جاودي العديد من المصممين المعاصرين، من بينهم آنا بيلاجو، وهي مهندسة ديكور استوحت في أحد تصاميمها التي نفذتها لمتجر في العاصمة السعودية الرياض نمط جاودي في دمج الألوان.
وقالت آنا لـ"سكاي نيوز عربية": "بهرني أسلوب جاودي في تصميمه لحديقة جويل، وكيفية استخدمه الأشكال الهندسية للتناغم مع الألوان، وتكسير قواعد اعتدت عليها كمصممة. وهذه جرأة دفعتني أنا أيضا للمغامرة".
وكان القاسم المشترك بين كل من استعان بتصاميم جاودي هو المغامرة والخروج عن المألوف، وهذا ما دفع "عائلة باتلو" للاعتماد على جاودي لتصميم منزل يسرق أنظار زائري الحي.
وكانت الطبيعة أكثر ما ألهم جاودي في أغلب أعماله. وبين عامي 1984 و2005، دخلت7 مبان صممها بيده قائمة اليونسكو للتراث. نستعرض هنا بعض تفاصيلها.
حديقة جويل
تعد واحدة من أشهر أعمال جاودي، وصممها لرجل أعمال ثري يدعى جويل عام 1886، بهدف إنشاء مجمع سكني راق، لكن المشروع تعثر وبقيت الحديقة، وأدرجت على قائمة اليونسكو للتراث لاحقا.
كازا باتلو
استبدل جاودي في هذا المنزل الخطوط المستقيمة بأخرى منحنية، وجعل الشرفات مشابهة في تصميمها للجماجم والأعمدة الداعمة لها تشبه العظام، ومن هنا أطلق على المنزل اسم "بيت العظام"
وزين جاودي الواجهة الخارجية للبيب بالفسيفساء، فأصبحت تشبه جلد الزواحف، كما استخدم ألوان الأزرق والأخضر لتصبح مشابهة للشعاب المرجانية البحرية.
مبنى كازا ميلا
استخدام جاودي في تصميم هذا المبنى الخطوط المتعرجة التي لا تزال تدهش كل من يشاهدها حتى يومنا هذا.
كنيسة العائلة المقدسة
ما إن انتهى جاودي من حقبة المباني السكنية، اتجه إلى هدف أكثر سموا، قاده ليحظى بلقب "مهندس الرب".
وكان ذلك عندما بدأ في عام 1882 بإنشاء كنيسة "ساغرادا فاميليا"، أي العائلة المقدسة، التي تعد من المباني النادرة التي دخلت على قائمة اليونسكو للتراث بالرغم من عدم اكتمالها، إذ من المقرر الانتهاء منها عام 2026، أي بعد مرور قرن كامل على رحيل جاودي.
وشكل رحيل جاودي عن الحياة صدمة لكل محبيه. وعلى الرغم من أن المباني التي صممها لا تزال تدر أرباحا لا يستهان بها على قطاع السياحة في إسبانيا، فقد مات وحيدا، وربما ظن البعض من هيئته أنه متسول يستحق العطف.