عرف مجتمع الطوارق في الصحراء الكبرى في الكتابات والأفلام والوثائق بعدة ألقاب، مثل الرجال الزرق، ونبلاء الصحراء، وغيرها من الألقاب والمسميات الدالة على النبل والكرم والأصالة التي أسبغتها عليهم وسائل الإعلام الغربية منذ عرف الاستعمار منطقتهم مطلع القرن الماضي.

ودرجت السينما على إظهار أصالتهم في عدة أعمال مثلما أخذوا مكانة لافتة عند كثير من الكتاب، مثل رواية "طوارق" للروائي الإسباني ألبرتو باثكث فيكيروا، التي تحولت إلى فيلم سينمائي يمجد كرم الطوارق ونجدتهم في الصحراء تجاه أعدائهم فضلا عن أصدقائهم.

وبقيت صورة الطارقي، ناصعة في الأدبيات الغربية، إلى أن اندلعت أعمال العنف والثورات في منطقتهم، لتنقلب عليهم حكوماتهم متهمة إياهم بالإرهاب وبالأعمال الإجرامية، الصورة التي غذتها العمليات الإرهابية التي طرأت على الصحراء بعد اتخاذ جماعات وتنظيمات إرهابية لها مأوى وميدانا لتنفيذ عمليات اختطاف وقتل بدأت ضد سياح غربيين، وانتهت بالاعتداء على سكان الصحراء الطوارق أنفسهم، والتي دفعت بمئات الآلاف منهم لاجئين في دول الجوار.

ويبدو أن الصورة التي كرستها وسائل إعلام المنطقة وانتهت بإلصاق تهم الإرهاب بالطوارق حتى لا يلقوا تعاطفا، نجحت إلى حد بعيد في خلق صورة ذهنية سلبية لدى أولئك الذين كانوا متعاطفين معهم يوما.

وصدم عدد من الناشطين الطوارق، بعد أن طرحت شبكة نتفليكس فيلما بعنوان "رينو في القارة السوداء"، أو (4L) وهو فيلم مغامرة لصديقين أسباني وفرنسي، أرادا زيارة صديقهما الذي كان يحتضر في مدينة تينبكتو وسط الصحراء الكبرى، غير أن مغامرتهم لقيت متاعب كان أكبرها في ليلة قضوها مع أحد الطوارق وسط الصحراء، والتي انتهت بسرقته لزادهم ومتاعهم، بدل أن يقوم بوفادتهم ومساعدتهم كما درج على فعله الطوارق تجاه عابري الصحراء وكرسته عنهم كتابات الرحالة.

أخبار ذات صلة

من رالي داكار إلى مهرجان تينبكتو.. الإرهاب يهجّر "الطوارق"
"الطوارق".. حينما يتحول اللثام إلى نقمة

وبحسب الباحث والمؤرخ الطارقي، د. محمد أغ إيونقي، فإن الصورة التي ظهر بها الطوارق في هذا الفيلم قد لا تكون الأولى ولا بالجديدة، خاصة في فيلم أنتج بتعاون أسباني فرنسي، الثقافتان اللتان يرى المؤرخ الطارقي أنهما ليستا على وفاق أصلا مع الطوارق بسبب التاريخ العدائي القديم بينهم وبين الملثمين منذ أقدم العصور.

يقول د. إيونقي لـ"سكاي نيوز عربية"، إن "الطوارق مشوهون في كتب التاريخ الإسباني القديم منذ قامت دولة المرابطين بحكم أسبانيا، حينها كرس كل الملثمين كغزاة وقتلة، والأمر نفسه عند الفرنسيين الذين صنعوا صورة مماثلة للطوارق في فترة احتلالهم للصحراء أثناء تصدي المقاومة لهم".

ويبدو أن اللثام الذي طالما ميز الرجال الزرق أضحى نقمة عليهم، بعد اضطراب أحوال الصحراء وتحولها إلى مسرح للإرهاب والجريمة المنظمة بعدة أشكال، وأصبحت مجموعات من اللصوص وقطاع الطرق من دول مجاورة  يلبسون لباس الطوارق أثناء قطعهم للطريق لإلصاق جرائمهم بالسكان المحليين حسبما رصدت تقارير "منظمة إيموهاغ الدولية من أجل العدالة والشفافية."

وقال الباحث والمؤرخ إيونقي، "الطوارق يعانون من تشويه لصورتهم في الداخل وفي دول الجوار وفي الخارج أيضا بسبب المماحكات السياسية والإثنية التي تحيطهم.. هذا الأمر يجب أن ينتهي لأنه لن يفلح.. انتهى عصر الإقصاء والتشويه المتعمد ولا بد من الرجوع للواقع فالطوارق جزء من الواقع في منطقتهم والتآمر عليهم وتشويه صورتهم بهذا الشكل ليس في صالح أحد بل الأفضل من ذلك عودة الجهات التي تنصب لهم العداء إلى رشدها وخلق جسور مع هذا الشعب الذي عانى كثيرا في تاريخه وحياته".

ويعيش الطوارق الذين أدين بعض أفرادهم بالإرهاب، في منطقة واسعة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو وليبيا والجزائر، وأصبحت في السنوات الأخيرة منطقة شديدة الاضطراب، بعد أن استباحتها مجموعات إرهابية يطاردها الجيش الفرنسي مع عدد من جيوش المنطقة.