رحل الأديب السوري الكبير، حنا مينه، عن الحياة، الثلاثاء، عن 94 عاما، تاركا وراءه إرثا أدبيا حافلا ومسيرة مثخنة بالعصامية والتحدي، لكن الرجل الذي  ولد في ظروف صعبة وامتهن أعمالا شاقة ليتدبر قوته، نجح في التحول إلى أيقونة لامعة في الوسط الأدبي، عربيا وحتى عالميا.

يوصف مينه في الغالب بالأديب الواقعي، فالرجل كان شديد الالتصاق بقضايا مجتمعه فيما يكتب، أما آخرون فيصفونه بـ"أديب الماء"، بالنظر إلى الحضور الكبير للبحر في أعماله، ولا ينكر الكاتب السوري الذي عاش في مدينة اللاذقية الساحلية أغلب فترات حياته هذا العشق الملهم للموج.

ولد مينه في مدينة اللاذقية سنة 1924، أي في زمن الانتداب الفرنسي على سوريا، ولذلك، لم تخل أعمال الرجل من هذا التاريخ، ففي وقت لاحق سيكتب روايته الشهيرة "الشراع والعاصفة" ليصور كيف تعيش مدينة من الساحل السوري يحتلها الفرنسيون أثناء الحرب العالمية الثانية.

وبما أن مينه رأى النور في وسط متواضع، فقد اضطرته الظروف ليعمل في مهن شاقة حتى يضمن خبزه، إذ اشتغل حمالا وبحارا ومربيا وحلاقا ومصلح دراجات، قبل أن ينتهي به المطاف روائيا وموظفا حكوميا.

لكن هذه المصاعب التي عاشها مينه كانت "نقمة في طياتها نعمة"، فالكاتب نهل من هذه العوالم المضطربة والقاسية ليقدم أدبا قريبا من هموم الناس، الذي أكد دفاعه عنه وتشبث بها في إطار الأدب الواقعي.

لكن هذا الأدب الواقعي الذي برز في فرنسا أواخر القرن التاسع عشر مع كتاب مثل "أونوري دو بالزاك"، أذكى جدلا شائكا، إذ يرى منتقدون أن القيمة الحقيقية للأدب في أن ينزاح عن الواقع ويقدم له رؤية فنية متميزة تتعالى على ما هو موجود، وإلا فإن سجلات الشرطة تتحول بدورها إلى أعمال أدبية بالنظر إلى حكيها قصصا مؤثرة.

وساهم مينه بصورة كبيرة في تأسيس رابطة الكتاب السوريين سنة 1951، وبعد سنوات قليلة، وفي سنة 1956 تحديدا، قاد هذا "الائتلاف الأدبي" جهودا تكللت بتأسيس اتحاد الكتاب العرب حتى يكون بمثابة منصة لمثقفي المشرق والمغرب.

وإذا كان مينه قد حظي بإشعاع عربي لافت، فإن أثر أعماله التي تجاوزت الثلاثين لم يتوقف عند لغة الضاد، إذ ترجمت روايات له إلى لغات أخرى مثل الروسية، لكن هذه الكتابة التي تقود إلى المجد ليست سوارا من ذهب كما يقول مينه بل إنه يعتبرها أقصر طريق إلى التعاسة.

وإن كانت الكتابة فعلا "تعيسا" كما يصفه الكاتب الراحل، فإن هذه "التعاسة الأدبية" تنجح رغم كل شيء في إماطة اللثام عن بعض ما يدور في الهوامش، على غرار ما فعل زملاء آخرون في الحرف لمينه، مثل نجيب محفوظ في مصر، ومحمد شكري في المغرب.