مع توالي تسجيل درجات حرارة قياسية حول العالم على وقع تفاقم ظاهرة التغير المناخي، تبرز أحيانا طروحات وأفكار تبدو غريبة لحل أزمة الاحترار، كفكرة بناء درع ضخم يفصل بين الشمس والأرض لتقليل حرارة الأرض.
فكرة قديمة جديدة
الفكرة التي طرحتها دراسة نشرتها مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS)، ليست جديدة وهي ترتكز لفكرة المهندس جيمس إيرلي في عام 1989، وقوامها بناء درع واق بين أشعة الشمس والكوكب، ما يعمل على خفض درجة حرارته.
دراسة مثيرة للجدل
- أعادت الدراسة التي عمل عليها عالم الكونيات لدى جامعة هاواي إستفان سابودي، إحياء تلك الفكرة القديمة عبر محاولة حل العقبة الأساسية وهي الوزن.
- وتشير الدراسة لاحتمالية بناء درع واق من الشمس أقل وزنا يمكن أن يصل لنحو 35 ألف طن متري، وسوف يحجب كمية من الإشعاع تتماشى مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ في 2015 .
- لكن صاحب الدراسة المثيرة للجدل، أشار إلى أن الأمر سيتطلب عمل "جيشا من المهندسين" لإثبات إمكانية تنفيذ مثل هذا الأمر عمليا.
وأشارت مجلة بوليتكو، في تقريرها عن البحث، إلى أنه قد تترتب تبعات مدمرة على هذه الفكرة، كأن تؤثر على هطول الأمطار والإضرار بطبقة الأوزون.
ويحذر خبراء بيئيون من الشطط في طرح فرضيات ومشروعات خطيرة وغير واقعية تستهدف التلاعب بطبيعة النظم الإيكولوجية، والتي سينجم عنها حال تطبيقها تداعيات سلبية خطيرة تفوق خطورة الاحتباس الحراري، ومجمل ظاهرة تغير المناخ حتى وفقهم.
فيما يجادل آخرون بإن من الطبيعي أن يسعى علماء للبحث عن حلول وآليات لكبح جماح معدلات الاحترار المتصاعدة، بغض النظر عن مدى نجاعة بعضها وقابليتها للتطبيق العملي من عدمه، كونها طروحات نظرية.
لماذا هي فكرة خطرة؟
يقول الخبير البيئي عضو الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة أيمن هيثم قدوري، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية":
- المجتمع العلمي نادرا ما يتفق على مبادئ علمية ذات أبعاد عملية لم يسبق أن طبقت على الواقع، بغض النظر عن نتيجته إيجابية أو سلبية، وذلك يعود للإيمان العلمي بالأدلة والبراهين وموثوقية الفكرة ومدى ملائمتها للوسط المستهدف، وإمكانية تحقيق خدمة للبشرية كهدف أساسي.
- هذه الفكرة والتي تتحدث عن إنشاء جدار بين الأرض والشمس لتخفيف الاشعاعات الشمسية الواصلة للكوكب تحت مسمى "Solar radiation modification" by "Solar radiation managment" تعديل الاشعاع الشمسي بواسطة ادارة الاشعاع الشمسي SRM، من خلال تشكيل مظلة مادية على اختلاف طبيعة المادة المستخدمة للحقن في الستراتوسفير سواء كانت هباء جوي أو غازات وغيرها (علما أن كل نوع من هذه المواد له آثار سلبية مدمرة على مستقبل الأرض) هي واحدة من أضعف الأفكار والافتراضات العلمية ولأسباب عديدة.
- فالفرضية تضع نقطة وهمية في المسافة بين الأرض والشمس لتكون مستقر لهذه المظلة، فكيف ستتمكن هذه المظلة من الاستقرار تحت تأثير المجال المغناطيسي المنطلق من النشاط الشمسي غير المستقر، وكيف ستصمد هذه المظلة أمه؟.
- الأساس المعتمد في فرضية الجدار أو المظلة بين الأرض و الشمس، يوضع في اطار الهندسة الجيولوجية التي توظف في الوقت الحالي لمعالجة مشكلة الاحترار العالمي، لكن بطروحات لم تنضج علميا لغاية الآن.
تداعيات كارثية بالجملة
- هناك الكثير من الاستفهامات التي لم تستطع هذه الفرضية الإجابة عليها، وأبرزها الآثار البيئية المترتبة على تقليل الاشعاع الشمسي الواصل للأرض ومنها التأثير على فعالية الغطاء النباتي، تحميض المحيطات، عزل طبقة الأوزون عن القيام بدورها واستثمار الاشعاع الشمسي في تحليل الغازات الواصلة لطبقة الأوزون بغية ترميمها ما سيؤدي لتلاشيها تدريجيا، التأثير المباشر على صحة الإنسان، التلاعب بالنظام الأرضي ووضعه على المحك من خلال تفعيل أنشطة مناخية خاملة، والتسبب في تطرف ظواهر طبيعية أخرى كالبراكين والتبريد المفرط لبعض أجزاء الأرض، التأثير على آلية عمل الأقمار الصناعية التي تسيطر على الكثير من الجوانب الاقتصادية والعسكرية والأمنية في عالم اليوم.
- وقد تتسبب بأزمات دولية مختلفة وتضع مقدرات دول في يد الدول المسيطرة على إدارة هذا النظام، التسبب بكوارث أكبر من الاحترار العالمي ما إن توقفت عملية حقن الهباء الجوي أو الغازات، أو أي مادة ستستخدم لإنشاء هذا الجدار لأي سبب كان، حيث سترتفع وتيرة الاحترار العالمي بشكل لا يمكن السيطرة عليه بسبب ضعف طبقة الأوزون والتسبب بإتلافها،
- هذه أبرز الاسباب وثمة أسباب فنية وتخصصية بحت أخرى، والتي تبين عدم موثوقية جدار تقليل الاشعاع الشمسي الواصل للأرض وفشله المبرم، كنظام بديل عن الأنظمة الطبيعية التي توفر الحماية للكوكب والتي يتسبب الإنسان في تدميرها.
تلاعب بطبيعة الأشياء
خطر مثل هذه الطروحات لا يتوقف عند كل ذلك فقط، وإنما سيسيل على وقعها لعاب الدول الصناعية الكبرى المعترضة على مقررات المناخ في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، للوصول لدرجة مقبولة من تصحيح وضع المناخ العالمي، وترفع طموح الإنسان للتحكم في مستقبل الأرض بفرضيات قد تكون أخطر عليها من مشاكل الاحترار العالمي.