بعد سنوات طويلة من المفاوضات المتعثرة حول سبل حماية أعالي البحار، وافقت الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة أخيرا على نص أول معاهدة للتنوع البيولوجي لحماية أعالي البحار، التي تشكل نحو 50 بالمئة من مساحة كوكب الأرض.
وبالإضافة لجعل على الأقل 30 بالمئة من بحار العالم مناطق محمية وفق المعاهدة، سيتم وضع إجراءات للتحقق من المشاريع الاقتصادية والبعثات والأنشطة الأخرى في البحار للتأكد من توافقها مع البيئة.
حماية دولية ملزمة
وتهدف الاتفاقية التي تمت في نيويورك الأحد، كذلك لوضع التنوع البيولوجي بأعالي البحار تحت الحماية الدولية الملزمة، وينتمي ثلثا محيطات العالم لأعالي البحار، وبالتالي فهي منطقة ينعدم فيها القانون لحد كبير، وكان يجري التفاوض بشأن اتفاق لحماية أعالي البحار لمدة 15 عاما.
معاهدة تاريخية
خبراء بيئيون يرون أن اقرار هذه المعاهدة الدولية لحماية المحيطات من خطر التلوث وتأثيرات ظاهرة التغير المناخي المدمرة، يشكل خطوة محورية نحو مواجهة التحديات البيئية المتصاعدة، التي تشكل تهديدا وجوديا لكوكب الأرض وسكانه بفعل اختلال التوازن البيئي والأحيائي الطبيعي.
مشيرين إلى ضرورة تعميم هذه التجربة في تحقيق التوافق بين مختلف دول العالم، لإبرام معاهدات أخرى تتصل بمجابهة تغيرات المناخ المتطرفة والتوظيف العشوائي والاستنزافي للموارد والثروات الطبيعية، والتي تطال بتأثيراتها السلبية اليابسة والبحار والهواء.
حماية توازن الكوكب
يقول الخبير البيئي وعضو الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة أيمن هيثم قدوري، في لقاء مع موقع سكاي نيوز عربية:
* هذه الاتفاقية خطوة مهمة جدا نحو تحقيق الهدف رقم 14 من ميثاق الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، والذي ينص على حماية مجتمعات البحار والمحيطات بما يضمن استدامة هذه البيئة المحورية للتوازن الطبيعي للأرض.
* أهمية هذه البيئات المائية بأنواعها المختلفة تنبع من كونها تؤثر بشكل مباشر على الوجود البشري وضمان الرفاه الاقتصادي والحيوي والطاقي على حد سواء، حيث تمثل المحيطات الجهاز التنفسي للأرض لانتاجها أكثر من 50% من الأوكسجين، وتمتص ما نسبته أكثر من 30% من ثنائي أوكسيد الكربون والمخلفات الكربونية بحسب احصائيات برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP .
* من الناحية الاقتصادية ينقل عبر المحيطات والبحار 91% من التجارة العالمية، وعلى مستوى الطاقة تلعب الرياح البحرية وأمواج المحيطات وحركات المد والجزر، دورا مهما في توليد الطاقة منخفضة الكربون في العديد من البلدان الساحلية .
* بعد قمة مونتريال في ديسمبر الماضي التي اتخذ فيها صناع القرار في العالم والدول الأطراف في COP15 قرارا تاريخيا بالشروع بخطة حماية 30% من الكوكب بحلول عام 2030، ظهرت الضرورة للتأكيد على هذا القرار من خلال وضع خطة عمل تفصيلية توضح آليات العمل على تحقيق هذا الهدف، في ظل الظروف الراهنة وتسارع مراحل التغير المناخي والصراعات السياسية والاقتصادية العالمية التي تقف بوجه تنفيذ هذه الخطوة الضرورية، لحماية النوع الإنساني والحياة على كوكبنا ككل .
ما هي مناطق أعالي البحار ؟
تبدأ منطقة أعالي البحار من النقطة التي تنتهي فيها المناطق الاقتصادية الخالصة للدول، على بعد 370 كيلومترا كحد أقصى عن الساحل، وهي لا تخضع لأي ولاية قضائية وطنية من الدول، وفيما تمثل أعالي البحار أكثر من 60 بالمئة من محيطات العالم وحوالي نصف مساحة سطح الكوكب، لم تستقطب الاهتمام ذاته مثل المياه الساحلية، ويحظى حوالي 1 بالمئة فقط من أعالي البحار بالحماية.
أهمية وجودية
وتنتج النظم البيئية للمحيطات نصف الأوكسجين الذي نتنفسه وتحد من الاحترار المناخي عبر تخزين جزء كبير من ثاني أوكسيد الكربون المنبعث من الأنشطة الصناعية، غير أن المنافع والخدمات التي توفّرها تلك النظم للبشرية باتت عرضة للخطر نتيجة الاحتباس الحراري وتحمّض المياه والتلوّث على أنواعه والصيد الجائر.