في مساحة صغيرة بمنزل عائلته المتواضع في إحدى الأحياء الطرفية بمدينة أم درمان السودانية، اعتكف معتصم جبريل لما يزيد عن سبع سنوات لإجراء تجارب في المجال التكنولوجي، حتى تكللت جهوده بالنجاح في صناعة روبوتات عبر إعادة تدوير النفايات الإلكترونية، في قصة ابداع ملهمة.

ولم يكن ابداع معتصم (22 عاما)، محصلة لدراسات أكاديمية تخصصية تلقاها في حياته، ولكن نتاج لذكاء فطري وتتويج لشغف ظل يراوده منذ طفولته تجاه التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، كما يروي لموقع "سكاي نيوز عربية".

هيومانويد 2: تسلا بوت أوبتيموس.. نحو "روبوت بسيرة ذاتية"!

 

وترك هذه الفتى قاعات الدراسة قهراً بعد أن تم فصله من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا بسبب عجزه عن دفع النفقات الدراسية نظراً لانتمائه الى عائلة محدودة الدخل، ليسلك طريق الخيال العلمي والتعلم الذاتي، مستعينا بشبكة الإنترنت في كل تجاربه الالكترونية.

وطاف جبريل خلال الأسبوع الجاري العاصمة الخرطوم بمعية أحد الروبوتات التي صنعها، وهو يفخر بما توصل له من انجاز في ظل إمكانيات محدودة، وسط تفاعل من الجمهور السوداني مع قصته التي جرى تداولها على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي.

يقول معتصم جبريل لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "الروبوتات التي صنعها حتى الآن لا يمكن توظيفها لخدمة الانسان، إذ تتضمن برامج صوتية تفاعلية مرتبطة بالهاتف النقال، وهي نتاج لجهود وبحث مستمر منذ العام 2015، ويسعى لتطويرها للاستفادة منها في المصانع والنقل والمطاعم وغيرها من المجالات التي دخلها الذكاء الاصطناعي".

الروبوت يقوم بتنفيذ بعض المهام المعقدة

ويضيف "اعتمدت بشكل أساسي على النفايات الإلكترونية التي نحصل عليها بثمن قليل من الأسواق المحلية المجاورة في صناعة الروبوتات، لأن المكونات الجديدة مكلفة للغاية وتفوق مقدرتي المالية، فظللت أجري تجارب مستمرة وأبحث في الإنترنت عن أي أجزاء الكترونية نجدها لمعرفة طبيعتها ومن ثم توظيفها".

وقال جبريل إنه كان يعتمد على نفسه في كل المراحل الدراسية بسبب محدودية دخل والده وتمكن من الالتحاق بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا كلية الهندسة الإلكترونية قسم الـبرمجيات، ووصل حتى المستوى الثاني، قبل أن يتم فصله بسبب عجزه عن دفع النفقات الدراسية، ولكن بغطاء أكاديمي حيث حُرم من الجلوس للامتحانات لأكثر من مرة مما كان مبررا لفصله، على حد قوله.

معتصم لم يجد سوى الرصيف ليعرض إبداعه التقني

على الرصيف

لم يستسلم معتصم الذي يلقبه أصدقاءه بـ"البروفيسور" بعد مغادرته لقاعات الدراسة مجبراً، فآثر معانقة الأرصفة المجاورة، فاحتوته وكان يجلس عليها وحيدا يتأمل ويفكر في مشروع عمره، تاركاً كل الأنشطة الشبابية بما في ذلك رياضة كرة القدم التي يستحيل أن تنفك عن أقرانه.

أخبار ذات صلة

"مسرح الشارع".. تمرد درامي على قيود "الخشبة" في السودان

 ويأمل الشاب السوداني أن يتحسن وضعه المالي ويعود الى الجامعة لتكملة مشواره الأكاديمي في مجال البرمجيات، فهي ضرورية لبناء المشاريع المستقبلية على أساس علمي، لكنه يعول في الوقت الراهنة على ذكاءه الفطري وموهبته لتطوير مقترعاته الحالية".

وقال "بعد نشر قصتي في الوسائط الإعلامية تواصلت معي عدة جهات في داخل السودان وخارجه وعرضت مساعدتي ودعمي، فرحبت بالجميع، فإن أوفوا خيرا، ولكن مسيرتي لن تتوقف وسوف تستمر بذات الإمكانات المحدودة الى حين تطوير مقترعاتي، فلست مستعجلا مطلقاً".

أخبار ذات صلة

الخرطوم.. فعاليات مميزة لـ"مهرجان النور" الثقافي

أفلام الكارتون

ويروي معتصم جبريل لموقع "سكاي نيوز عربية" أنه استلهم فكرة الروبوتات من أفلام الكرتون والتي ظلت تدور في مخيلته منذ طفولته، وكان له شقف كبير بتطبيق كل ما يشاهده، وبدا مشروعه في 2015م، لكن الروبوت الناطق الذي أطلقه هذه الأيام شرع في تصنيعه عام 2019، وتم كل ذلك بمواد مستخرجة من نفايات إلكترونية يقتنيها من أسواق شعبية مجاورة.

يقول "أفلام الكرتون تزرع المخيلة، ومن ثم الخيال العلمي الذي يتحول الى فرضية وبعد نظرية، وهذا حدث معي بالضبط في تجربتي، فقد قفيت أثرها في كل مراحل انجاز الروبوتات".

ولم يتوقف جبريل عند محطة صناعة روبوتات وتطويرها، لكن طموحه يتصاعد لبلوغ عنان السماء، فهو يعمل حالياً على صناعة صاروخ يخطط لإطلاقه خلال فترة قليلة قادمة ليحلق بحلمه على طيات السحاب.

طموحات “البروفسور" تتصاعد رغم قلة الإمكانات المادية والعلمية التخصصية، فهو يراهن على قوة الإرادة والعزيمة والاجتهاد والتي يعتقد أنها كفيلة بتحقيق النجاح مثلما ما حدث معه في صناعة الروبوتات، وقال "لا مستحيل تحت الأرض، كل شيء ممكن".